منتدى الحريه
منتدى الحريه
منتدى الحريه
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الحريه

اهلا وسهلا بكم فى منتدى الحريه
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 •» السيره النبويه «• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
5o5a
مـديـره عـا مـه للـمـنـتـدى
مـديـره عـا مـه للـمـنـتـدى
5o5a


عدد المساهمات : 101
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/04/2011

•» السيره النبويه «• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته Empty
مُساهمةموضوع: •» السيره النبويه «• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته   •» السيره النبويه «• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته Icon_minitimeالخميس أبريل 07, 2011 4:57 am

[b]بسم الله الرحمن الرحيم [/b]

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، أما بعد :




[b]أحب ان أقدم لكم عرض كامل لسلسة السيرة النبويه منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته ..
[/b]

والذي أتمنى من خلاله أن يصل إلى كل جاهل عن سيرة سيد الخلق أجمعين محمدٌ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ..








الجزء (1) : العرب قبل الاسلام






كان العرب في شبه الجزيرة العربية قبل بعثة
الرسول صلى الله عليه وسلم يعبدون الأصنام من دون الله، ويقدمون لها
القرابين، ويسجدون لها، ويتوسلون بها، وهي أحجار لا تضر ولا تنفع، وكان
حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا.


ومن عجيب أمرهم أن أحدهم كان يشتري العجوة، ويصنع
منها صنمًا، ثم يعبده ويسجد له، ويسأله أن يحجب عنه الشر ويجلب له الخير،
فإذا شعر بالجوع أكل إلهه!! ثم يأخذ كأسًا من الخمر، يشربها حتى يفقد
وعيه، وفي ذلك الزمان كانت تحدث أشياء غريبة وعجيبة، فالناس يطوفون عرايا
حول الكعبة، وقد تجردوا من ملابسهم بلا حياء، يصفقون ويصفرون ويصيحون بلا
نظام، وقد وصف الله -عز وجل- صلاتهم فقال: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا
مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} [الأنفال:35].


وكانت الحروب تقوم بينهم لأتفه الأسباب، وتستمر
مشتعلة أعوامًا طويلة فهذان رجلان يقتلان، فيجتمع الناس حولهما، وتناصر كل
قبيلة صاحبها، لم يسألوا عن الظالم ولا عن المظلوم، وتقوم الحرب في لمح
البصر، ولا تنتهي حتى يموت الرجال، وانتشرت بينهم العادات السيئة مثل: شرب
الخمر، وقطع


الطرق والزنا.


وكانت بعض القبائل تهين المرأة، وينظرون إليها
باحتقار، فهي في اعتقادهم عار كبير عليهم أن يتخلصوا منها، فكان الرجل
منهم إذا ولدت له أنثى؛ حزن حزنًا شديدًا. قال تعالى: {وإذا بشر أحدهم
بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم يتواري من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه
علي هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون} _[النحل: 58-59] وقد يصل به
الأمر إلى أن يدفنها وهي حية، وهي العادة التي عرفت عندهم بوأد البنات.


فهذا رجل يحمل طفلته ويسير بها إلى الصحراء فوق
الرمال المحرقة، ويحفر حفرة ثم يضع ابنته فيها وهي حية، ولا تستطيع الطفلة
البريئة أن تدافع عن نفسها؛ بل تناديه: أبتاه .. أبتاه .. فلا يرحم
براءتها ولا ضعفها، ولا يستجيب لندائها.. بل يهيل عليها الرمال، ثم يمشي
رافعًا رأسه كأنه لم يفعل شيئًا!! قال تعالى: {وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب
قتلت} [التكوير: 7-8] وليس هذا الأمر عامًا بين العرب، فقد كانت بعض
القبائل تمنع وأد البنات.


وكان الظلم ينتشر في المجتمع؛ فالقوى لا يرحم
الضعيف، والغني لا يعطف على الفقير، بل يُسخره لخدمته، وإن أقرضه مالا؛
فإنه يقرضه بالربا، فإذا اقترض الفقير دينارًا؛ يرده دينارين، فيزداد
فقرًا، ويزداد الغني ثراء، وكانت القبائل متفرقة، لكل قبيلة رئيس، وهم لا
يخضعون لقانون منظم، ومع كل هذا الجهل والظلام في ذلك العصر المسمى بالعصر
الجاهلي، كانت هناك بعض الصفات الطيبة


والنبيلة؛ كإكرام الضيف، فإذا جاء ضيف على أحدهم
بذل له كل ما عنده، ولم يبخل عليه بشىء، فها هو ذا حاتم الطائي لم يجد ما
يطعم به ضيوفه؛ فذبح


فرسه -وقد كانوا يأكلون لحم الخيل- وأطعمهم قبل أن يأكل هو.


وكانوا ينصرون المستغيث فإذا نادى إنسان، وقال:
إني مظلوم اجتمعوا حوله وردوا إليه حقه، وقد حدث ذات مرة أن جاء رجل
يستغيث، وينادي بأعلى صوته في زعماء قريش أن ينصروه على العاص بن وائل
الذي اشترى منه بضاعته، ورفض أن يعطيه ثمنها؛ فتجمع زعماء قريش في دار
عبدالله بن جدعان وتحالفوا على أن ينصروا المظلوم، ويأخذوا حقه من الظالم،
وسموا ذلك الاتفاق حلف الفضول، وذهبوا إلى العاص بن وائل، وأخذوا منه ثمن
البضاعة، وأعطوه لصاحبه.


وفي هذا المجتمع ولد محمد صلى الله عليه وسلم من
أسرة كريمة المعدن، نبيلة النسب، جمعت ما في العرب من فضائل، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل،
واصطفى قريشًا من كنانة واصطفي من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم).
[مسلم].




هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن


كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن


كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الذي يصل نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم -عليهما الصلاة والسلام..


جده هاشم وحكاية الثريد:


كان عمرو بن عبد مناف الجد الأكبر للرسول صلى الله عليه وسلم رجلا كريمًا
فقد حدث في عصره أن نزل القحط بالناس، فلم يجدوا ما يأكلون، وكادوا يموتون
جوعًا، وبدأ كل إنسان يفكر في نجاة نفسه فقط، فالذي عنده طعام يحرص عليه
ويحجبه عن الناس، فذهب عمرو إلى بيته وأخرج ما عنده من الطعام، وأخذ يهشم
الثريد (أي: يكسر الخبز في المرق) لقومه ويطعمهم، فسموه (هاشمًا)؛ لأنه
كريم يهشم ثريده للناس جميعًا.


وعندما ضاق الرزق في مكة أراد هاشم أن يخف عن أهلها، فسافر إلى الشام
صيفًا، وإلى اليمن شتاء؛ من أجل التجارة، فكان أول من علَّم الناس هاتين
الرحلتين، وفي إحدى الرحلات، وبينما هاشم في طريقه للشام مر بيثرب، فتزوج
سلمى بنت عمرو إحدى نساء بني النجار، وتركها وهي حامل بابنه عبد المطلب
لتلد بين أهلها الذين اشترطوا عليه ذلك عند زواجه منها.


جده عبدالمطلب وحكاية الكنز:


كان عبد المطلب بن هاشم جد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يسقي الحجيج
الذين يأتون للطواف حول الكعبة، ويقوم على رعاية بيت الله الحرام فالتف
الناس حوله، فكان زعيمهم وأشرفهم، وكان عبدالمطلب يتمنى لو عرف مكان بئر
زمزم ليحفرها؛ لأنها كانت قد ردمت بمرور السنين، ولم يَعُد أحد يعرف
مكانها، فرأى في منامه ذات ليلة مكان بئر زمزم، فأخبر قومه بذلك ولكنهم لم
يصدقوه، فبدأ عبدالمطلب في حفر البئر هو وابنه الحارث، والناس يسخرون
منهما، وبينما هما يحفران، تفجر الماء من تحت أقدامهما، والتف الناس حول
البئر مسرورين، وظن عبدالمطلب أنهم سيشكرونه، لكنه فوجئ بهم ينازعونه
امتلاك البئر، فشعر بالظلم والضعف لأنه ليس له أبناء إلا الحارث، وهو لا
يستطيع نصرته، فإذا به يرفع يديه إلى السماء، ويدعو الله أن يرزقه عشرة
أبناء من الذكور، ونذر أن يذبح أحدهم تقربًا لله.


حكاية الأبناء العشرة :


استجاب الله دعوة عبد المطلب، فرزقه عشرة أولاد، وشعر عبدالمطلب بالفرحة
فقد تحقق رجاؤه، ورزق بأولاد سيكونون له سندًا وعونًا، لكن فرحته لم تستمر
طويلا؛ فقد تذكر النذر الذي قطعه على نفسه، فعليه أن يذبح واحدًا من


أولاده، فكر عبدالمطلب طويلا، ثم ترك الاختيار لله تعالى، فأجرى قرعة بين
أولاده، فخرجت القرعة على عبدالله أصغر أولاده وأحبهم إلى قلبه، فأصبح


عبد المطلب في حيرة؛ أيذبح ولده الحبيب أم يعصى الله ولا يفي بنذره؟


فاستشار قومه، فأشاروا عليه بأن يعيد القرعة، فأعادها مرارًا، لكن القدر
كان يختار عبدالله في كل مرة، فازداد قلق عبدالمطلب، فأشارت عليه كاهنة
بأن يفتدي ولده بالإبل، فيجري القرعة بين عبدالله وعشرة من الإبل، ويظل
يضاعف عددها، حتى تستقر القرعة على الإبل بدلا من ولده، فعمل عبدالمطلب
بنصيحة الكاهنة، واستمر في مضاعفة عدد الإبل حتى بلغت مائة بعير، وعندئذ
وقعت القرعة عليها، فذبحها فداء لعبد الله، وفرحت مكة كلها بنجاة عبد
الله، وذبح له والده مائة ناقة فداءً له، وازداد عبد المطلب حبًّا لولده،
وغمره بعطفه


ورعايته.


أبوه عبدالله وزواجه المبارك من السيدة آمنة:


كان عبد الله أكرم شباب قريش أخلاقًا، وأجملهم منظرًا، وأراد والده


عبد المطلب أن يزوجه، فاختار له زوجة صالحة، هي السيدة آمنة بنت وهب بن
عبد مناف بن زهرة أطهر نساء بني زهرة، وسيدة نسائهم، والسيدة آمنة تلتقي
في نسبها مع عبدالله والد النبي صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة، وتمر
الأيام، ويخرج عبدالله في تجارة إلى الشام، بعد أن ترك زوجته آمنة حاملا
ولحكمة يعلمها الله، مات عبد الله قبل أن يرى وليده.


حكاية الفيل:


وذات يوم، استيقظ أهل مكة على خبر أصابهم بالفزع والرعب، فقد جاء ملك
اليمن أبرهة الأشرم الحبشي بجيش كبير، يتقدمه فيل ضخم، يريد هدم الكعبة
حتى يتحول الحجيج إلى كنيسته التي بناها في اليمن، وأنفق عليها


أموالا كثيرة، واقترب الجيش من بيت الله الحرام، وظهر الخوف والهلع على
وجوه أهل مكة، والتف الناس حول عبدالمطلب الذي قال لأبرهة بلسان الواثق من
نصر الله تعالى: (لبيت رب يحميه).


فازداد أبرهة عنادًا، وأصرَّ على هدم الكعبة، فوجه الفيل الضخم نحوها،
فلما اقترب منها أدار الفيل ظهره ولم يتحرك،، وأرسل الله طيورًا من السماء
تحمل حجارة صغيرة، لكنها شديدة صلبة، ألقت بها فوق رءوس جنود أبرهة
فقتلتهم وأهلكتهم. قال تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل . ألم
يجعل كيدهم في تضليل . وأرسل عليهم طيرًا أبابيل . ترميهم بحجارة من سجيل
فجعلهم كعصف مأكول} [الفيل] وفي هذا العام ولد الرسول صلى الله عليه وسلم.




[size=16]في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر
ربيع الأول الذي يوافق عام (175م) ولدت السيدة آمنة بنت وهب زوجة عبد الله
بن عبد المطلب غلامًا جميلا، مشرق الوجه، وخرجت ثويبة الأسلمية خادمة أبي
لهب -عم النبي صلى الله عليه وسلم- تهرول إلى سيدها أبي لهب، وجهها ينطق
بالسعادة، وما كادت تصل إليه حتى همست له بالبشرى، فتهل وجهه، وقال لها من
فرط سروره:
[/size]

[size=16]
اذهبي فأنت حرة! وأسرع عبد المطلب إلى بيت ابنه عبد الله ثم خرج حاملا
الوليد الجديد، ودخل به الكعبة مسرورًا كأنه يحمل على يديه كلَّ نعيم
[/size]

[size=16]
الدنيا، وأخذ يضمه إلى صدره ويقبله في حنان بالغ، ويشكر الله ويدعوه، وألهمه الله أن يطلق على حفيده اسم محمد.
[/size]

[size=16]
حكاية مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم:
[/size]

[size=16]
جاءت المرضعات من قبيلة بني سعد إلى مكة؛ ليأخذن الأطفال الرُّضَّع إلى
البادية حتى ينشئوا هناك أقوياء فصحاء، قادرين على مواجهة أعباء الحياة،
وكانت كل مرضعة تبحث عن رضيع من أسرة غنية والده حي؛ ليعطيها مالاً
كثيرًا، لذلك رفضت كل المرضعات أن يأخذن محمدًا صلى الله عليه وسلم لأنه
يتيم، وأخذته السيدة حليمة السعدية لأنها لم تجد رضيعًا غيره، وعاش محمد
صلى الله عليه وسلم في قبيلة بني سعد، فكان خيرًا وبركة على حليمة وأهلها،
حيث اخضرَّت أرضهم بعد الجدب والجفاف، وجرى اللبن في ضروع الإبل.
[/size]

[size=16]
حكاية شق الصدر:
[/size]

[size=16]
وفي بادية بني سعد وقعت حادثة غريبة، فقد خرج محمد صلى الله عليه وسلم ذات
يوم ليلعب مع أخيه من الرضاعة ابن حليمة السعدية، وفي أثناء لعبهما ظهر
رجلان فجأة، واتجها نحو محمد صلى الله عليه وسلم فأمسكاه، وأضجعاه على
الأرض ثم شقَّا صدره، وكان أخوه من الرضاعة يشاهد عن قرب ما يحدث
[/size]

[size=16]
له، فأسرع نحو أمه وهو يصرخ، ويحكى لها ما حدث.
[/size]

[size=16]
فأسرعت حليمة السعدية وهي مذعورة إلى حيث يوجد الغلام القرشي فهو أمانة
عندها، وتخشى عليه أن يصاب بسوء، لكنها على عكس ما تصورت، وجدته واقفًا
وحده، قد تأثر بما حدث، فاصفر لونه، فضمته في حنان إلى
[/size]

[size=16]
صدرها، وعادت به إلى البيت، فسألته حليمة: ماذا حدث لك يا محمد؟ فأخذ يقص
عليها ما حدث، لقد كان هذان الرجلان ملكين من السماء أرسلهما الله تعالى؛
ليطهرا قلبه ويغسلاه، حتى يتهيأ للرسالة العظيمة التي سيكلفه الله بها.
[/size]

[size=16]
خافت حليمة على محمد، فحملته إلى أمه في مكة، وأخبرتها بما حدث
[/size]

[size=16]
لابنها، فقالت لها السيدة آمنة في ثقة: أتخوفتِ عليه الشيطان؟ فأجابتها
حليمة: نعم، فقالت السيدة آمنة: كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل، وإن
لابني
[/size]

[size=16]
لشأنًا؛ لقد رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور، أضاء لي به قصور
[/size]

[size=16]
الشام، وكان حَمْلُه يسيرًا، فرجعت به حليمة إلى قومها بعد أن زال الخوف
من قلبها، وظل عندها حتى بلغ عمره خمس سنوات، ثم عاد إلى أمه في مكة.
[/size]

[size=16]
رحلة محمد صلى الله عليه وسلم مع أمه إلى يثرب:
[/size]

[size=16]
وذات يوم، خرجت السيدة آمنة ومعها طفلها محمد وخادمتها أم أيمن من مكة
متوجهة إلى يثرب؛ لزيارة قبر زوجها عبد الله، وفاء له، وليعرف ولدها قبر
[/size]

[size=16]
أبيه، ويزور أخوال جده من بني النجار، وكان الجو شديد الحر، وتحملت أعباء
هذه الرحلة الطويلة الشاقة، وظلت السيدة آمنة شهرًا في المدينة، وأثناء
عودتها مرضت ومات وهي في الطريق، في مكان يسمى الأبواء، فدفنت فيه، وعادت
[/size]

[size=16]
أم أيمن إلى مكة بالطفل محمد يتيمًا وحيدًا، فعاش مع جده عبدالمطلب، وكان عمر محمد آنذاك ست سنوات.
[/size]



[size=16]
محمد صلى الله عليه وسلم في كفالة جده عبد المطلب:
[/size]

[size=16]
بعد وفاة السيدة آمنة عاش محمد صلى الله عليه وسلم في ظل كفالة جده
عبدالمطلب الذي امتلأ قلبه بحب محمد، فكان يؤثر أن يصحبه في مجالسه
[/size]

[size=16]
العامة، ويجلسه على فراشه بجوار الكعبة، ولكن عبدالمطلب فارق الحياة ومحمد في الثامنة من عمره.
[/size]

[size=16]
محمد صلى الله عليه وسلم في كفالة عمه أبي طالب:
[/size]

[size=16]
وتكفَّل به بعد وفاة جده عمه أبو طالب، فقام بتربيته ورعايته هو وزوجته
فاطمة بنت أسد، وأخذه مع أبنائه، رغم أنه لم يكن أكثر أعمام النبي صلى
الله عليه وسلم مالا، لكنه كان أكثرهم نبلا وشرفًا، فزاد عطفه على محمد
صلى الله عليه وسلم حتى إنه كان لا يجلس في مجلس إلا وهو معه، ويناديه
بابنه من شدة حبه له.
[/size]

[size=16]
رحلة إلى الشام:
[/size]

[size=16]
خرج محمد صلى الله عليه وسلم مع عمه أبو طالب في رحلة إلى الشام مع القوافل التجارية وعمره اثنا عشر عامًا، وتحركت القافلة، ومضت في
[/size]

[size=16]
طريقها؛ حتى وصلت إلى بلدة اسمها (بصرى) وأثناء سيرها مرت بكوخ يسكنه راهب
اسمه (بُحَيْرَى) فلما رأى القافلة خرج إليها، ودقق النظر في وجه محمد صلى
الله عليه وسلم طويلا، ثم قال لأبي طالب: ما قرابة هذا الغلام منك؟ فقال
أبوطالب: هو ابني -وكان يدعوه بابنه حبًّا له- قال بحيرى: ما هو بابنك،
وما ينبغي أن يكون هذا الغلام أبوه حيًّا، قال أبو طالب: هو ابن أخي،
فسأله بحيرى: فما فعل أبوه؟ قال أبو طالب: مات وأمه حبلى به؟ فقال له
بحيرى: صدقت! فارجع به إلى بلده واحذر عليه اليهود!! فوالله لئن رأوه هنا
ليوقعون به شرًّا، فإنه سيكون لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع أبو طالب
بالعودة إلى مكة وفي صحبته ابن أخيه محمد.
[/size]


كان الشباب في مكة يلهون ويعبثون، أما محمد صلى
الله عليه وسلم فكان يعمل ولا يتكاسل؛ يرعى الأغنام طوال النهار، ويتأمل
الكون ويفكر في خلق الله، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم -بعد أن أوتي
النبوة- ذلك العمل، فقال: (ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم) فقال
أصحابه: وأنت؟ قال: (نعم، كنتُ أرعاها على قراريط لأهل مكة) [البخاري]
وكان الله -سبحانه- يحرسه ويرعاه على الدوام؛ فذات يوم فكر أن يلهو كما
يلهو الشباب، فطلب من صاحب له أن يحرس أغنامه، حتى ينزل مكة ويشارك الشباب
في لهوهم، وعندما وصل إليها وجد حفل زواج، فوقف عنده، فسلط الله عليه
النوم، ولم يستيقظ إلا في صباح اليوم التالي.


وعندما كانت قريش تجدد بناء الكعبة، كان محمد صلى الله عليه وسلم ينقل
معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره، فقال له العباس عمه: اجعل إزارك على
رقبتك يقيك الحجارة، فعل، فخر إلى الأرض، وجعل ينظر بعينيه إلى


السماء، ويقول: إزاري.. إزاري، فشد عليه، فما رؤى بعد ذلك عريانًا.


التاجر الأمين:


وحين جاوز النبي صلى الله عليه وسلم العشرين من عمره أُتيحت له فرصة السفر
مع قافلة التجارة إلى الشام، في مكة كان الناس يستعدون لرحلة الصيف
التجارية إلى الشام، وكل منهم يعد راحلته وبضاعته وأمواله، وكانت السيدة
خديجة بنت خويلد -وهي من أشرف نساء قريش، وأكرمهن أخلاقًا، وأكثرهن مالا-
تبحث عن رجل أمين يتاجر لها في مالها ويخرج به مع القوم، فسمعت عن محمد
وأخلاقه العظيمة، ومكانته عند أهل مكة جميعًا ، واحترامهم له؛ لأنه صادق
أمين، فاتفقت معه أن يتاجر لها مقابل مبلغ من المال، فوافق محمد صلى الله
عليه وسلم وخرج مع غلام لها اسمه ميسرة إلى الشام.


تحركت القافلة في طريقها إلى الشام، وبعد أن قطع القوم المسافات


الطويلة نزلوا ليستريحوا بعض الوقت، وجلس محمد صلى الله عليه وسلم تحت
شجرة، وعلى مقربة منه صومعة راهب، وما إن رأى الراهب محمدًا صلى الله عليه
وسلم حتى أخذ ينظر إليه ويطيل النظر، ثم سأل ميسرة: من هذا الرجل الذي نزل
تحت هذه الشجرة؟ فقال ميسرة: هذا رجل من قريش من


أهل الحرم، فقال الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي، وباعت القافلة كل
تجارتها، واشترت ما تريد من البضائع، وكان ميسرة ينظر إلى محمد ويتعجب من
سماحته وأخلاقه والربح الكبير الذي حققه في مال السيدة خديجة.


وفي طريق العودة حدث أمر عجيب، فقد كانت هناك غمامة في السماء تظل محمدًا
وتقيه الحر، وكان ميسرة ينظر إلى ذلك المشهد، وقد بدت على وجهه علامات
الدهشة والتعجب، وأخيرًا وصلت القافلة إلى مكة فخرج الناس لاستقبالها
مشتاقين؛ كل منهم يريد الاطمئنان على أمواله، وما تحقق له


من ربح، وحكى ميسرة لسيدته خديجة ما رأى من أمر محمد، فقد أخبرها بما قاله
الراهب، وبالغمامة التي كانت تظل محمدًا في الطريق؛ لتقيه من الحر دون
سائر أفراد القافلة.


زواج محمد صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة:


استمعت السيدة خديجة إلى ميسرة في دهشة، وقد تأكدت من أمانة محمد


صلى الله عليه وسلم وحسن أخلاقه، فتمنت أن تتزوجه، فأرسلت السيدة خديجة
صديقتها نفيسة بنت منبه؛ لتعرض على محمد الزواج، فوافق محمد صلى الله عليه
وسلم على هذا الزواج، وكلم أعمامه، الذين رحبوا وافقوا على هذا


الزواج، وساروا إلى السيدة خديجة يريدون خطبتها؛ فلما انتهوا إلى دار
خويلد قام أبو طالب عم النبي وكفيله يخطُب خُطبة العرس، فقال: (الحمد لله
الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل، وجعل لنا بيتًا محجوجًا وحرمًا


آمنًا، وجعلنا أمناء بيته، وسُوَّاس حرمه، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن
ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل شرفًا ونبلاً وفضلاً، وإن
كان في المال قلا، فإن المال ظل زائل، وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها
من الصداق ما عاجله وآجله من مالي كذا وكذا، وهو والله بعد هذا له نبأ


عظيم، وخطر جليل) وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم السيدة خديجة، وعاشا
معًا حياة طيبة موفقة، ورزقهما الله تعالى البنين والبنات، فأنجبت له ستة
أولاد هم: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، وعبدالله، والقاسم، وبه يكنى
الرسول فيقال: أبو القاسم.


بناء الكعبة وقصة الحجر الأسود:


اجتمعت قريش لإعادة بناء الكعبة، وأثناء البناء اختلفوا فيمن ينال شرف وضع
الحجر الأسود في مكانه، واشتد الخلاف بينهم، وكاد أن يتحول إلى حرب بين
قبائل قريش، ولكنهم تداركوا أمرهم، وارتضوا أن يُحكِّموا أول داخل عليهم
وانتظر القوم، وكل واحد يسأل نفسه: ترى من سيأتي الآن؟ ولمن سيحكم؟ وفجأة
تهلت وجوههم بالفرحة والسرور عندما رأوا محمدًا يقبل عليهم، فكل واحدٍ
منهم يحبه ويثق في عدله وأمانته ورجاحة عقله وسداد رأيه، فهتفوا: هذا
الأمين قد رضيناه حَكَما، وعرضوا عليه الأمر وطلبوا منه أن يحكم بينهم،
فخلع الرسول صلى الله عليه وسلم رداءه وضع الحجر عليه، ثم أمر رؤساء
القبائل فرفعوا الثوب حتى أوصلوا الحجر إلى مكانه من الكعبة، عندئذ حمله
الرسول صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة وضعه مكانه، وهكذا كفاهم الله


شر القتال.


[size=21]كان محمد صلى الله عليه وسلم يكثر
من الذهاب إلى غار حراء، فيجلس وحده فيه أيامًا بلياليها؛ يفكر في خالق
هذا الكون بعيدًا عن الناس وما يفعلونه
[/size]

[size=21]
من آثام، ولقد كان يمشي تلك المسافة الطويلة ويصعد ذلك الجبل العالي، ثم
يعود إلى مكة ليتزود بالطعام ويرجع إلى ذلك الغار، وظل مدة لا يرى رؤيا
إلا وتحققت كما رآها، وبدأت تحدث له أشياء عجيبة لا تحدث لأي إنسان
[/size]

[size=21]
آخر، فقد كان في مكة حَجَر يسلم عليه كلما مر به، قال صلى الله عليه وسلم:
(إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم عليَّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه
[/size]

[size=21]
الآن) [مسلم].
[/size]

[size=21]
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس ذات يوم في الغار، وإذا بجبريل -عليه
السلام- ينزل عليه في صورة رجل ويقول له: اقرأ. وكان النبي صلى الله عليه
وسلم لا يعرف القراءة ولا الكتابة، فخاف وارتعد، وقال للرجل: ما أنا
بقارئ. وإذا بجبريل -عليه السلام- يضم النبي صلى الله عليه وسلم إليه
بشدة، ثم يتركه ويقول له: اقرأ. فقال محمد: ما أنا بقارئ. وتكرر ذلك مرة
ثالثة، فقال جبريل: {اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ
وربك الأكرم} _[العلق:1-3]. فكانت هذه أولى آيات القرآن التي نزلت في شهر
رمضان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في السنة الأربعين من عمره.
[/size]

[size=21]
رجع محمد صلى الله عليه وسلم إلى بيته مسرعًا، ثم رقد وهو يرتعش، وطلب من
زوجته أن تغطيه قائلا: (زملونى، زملونى) وحكى لها ما رآه في الغار،
فطمأنته السيدة خديجة، وقالت له: كلا والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل
الرحم وتحمل الكلَّ (الضعيف) وتُكسب المعدوم، وتُقري (تكرم) الضيف، وتعين
على نوائب الحق، فلما استمع النبي صلى الله عليه وسلم إلى كلام السيدة
خديجة، عادت إليه الطمأنينة، وزال عنه الخوف والرعب، وبدأ يفكر فيما حدث.
[/size]







[size=21]
حكاية ورقة بن نوفل:
[/size]

[size=21]
وكان للسيدة خديجة ابن عم، اسمه (ورقة بن نوفل) على علم بالديانة المسيحية
فذهبت إليه ومعها زوجها؛ ليسألاه عما حدث، فقالت خديجة لورقة: يابن عم
اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة: يابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النبي صلى الله
عليه وسلم بالذي حدث في غار حراء، فلما سمعه ورقة قال: هذا الناموس الذي
كان ينزل على موسى، ثم أخبره (ورقة) أنه يتمنى أن يعيش حتى ينصره، ويكون
معه عندما يحاربه قومه، ويُخرجونه من مكة، فلما سمع الرسول صلى الله عليه
وسلم ذلك تعجب وسأل ورقة قائلا: أو مُخرجيَّ هم؟ فقال له: نعم، لم يأتِ
أحد بمثل ما جئت به إلا عُودِيَ، ومنذ ذلك اليوم والرسول صلى الله عليه
وسلم يزداد شوقًا لوحي السماء الذي تأخر نزوله عليه بعد هذه المرة.
[/size]

[size=21]
عودة الوحي:
[/size]

[size=21]
وبعد فترة، وبينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يمشي إذا به يسمع صوتًا،
فرفع وجهه إلى السماء، فرأى الملك الذي جاءه في غار حراء جالسًا على كرسي

بين السماء والأرض، فارتعد الرسول صلى الله عليه وسلم من هول المنظر،
وأسرع إلى المنزل، وطلب من زوجته أن تغطيه، قائلا: دثرونى . دثرونى، وإذا
بجبريل ينزل إليه بهذه الآيات التي يوجهها الله إليه: {يا أيها المدثر .
قم فأنذر . وربك فكبر . وثيابك فطهر . والرجز فاهجر} _[المدثر: 1-5] وفي
هذه الآيات تكليف من الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يدعو
الناس.
[/size]

[size=21]
الدعوة إلى الإسلام سرَّا:
[/size]

[size=21]
كان الناس في مكة يعبدون الأصنام منذ زمن بعيد، وقد ورثوا عبادتها عن
آبائهم وأجدادهم؛ فبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الإسلام
سرَّا، وبدأ بأقرب الناس إليه، فآمنت به زوجته خديجة بنت خويلد، وآمن به
أيضًا ابن عمه علي بن أبي طالب، وكان غلامًا في العاشرة من عمره، وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يقوم بتربيته، وكان صديقه أبو بكر
أول الذين آمنوا به من الرجال، وكان ذا مكانة عظيمة بين قومه، يأتي الناس
إليه ويجلسون
[/size]

[size=21]
معه، فاستغل أبو بكر مكانته هذه وأخذ يدعو من يأتي إليه ويثق فيه
[/size]

[size=21]
إلى الإسلام، فأسلم على يديه عبدالرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، والزبير ابن العوام، وطلحة بن عبيد الله .. وغيرهم.
[/size]

[size=21]
ولم تكن الصلاة قد فرضت في ذلك الوقت بالكيفية التي نعرفها، ولكن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه الذين أسلموا سرًّا ركعتين قبل
طلوع الشمس وركعتين قبل الغروب، وذلك في مكان بعيد عن أعين
[/size]

[size=21]
الكفار.
[/size]

[size=21]
وذات يوم كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه في شِعبٍ من شِعَابِ
مكة، إذ أقبل عليهم أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم والذي لم يؤمن
برسالته، فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصلون، سأله عن هذا
الدين الجديد، فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم به لأنه يثق في عمه ويأمل
أن يدخل الإسلام، ولكن أبا طالب رفض أن يترك دين آبائه وأجداده وطمأن
النبي صلى الله عليه وسلم وتعهد بحمايته من أعدائه، وأوصى ابنه عليًّا أن
يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمر الرسول صلى الله عليه وسلم
يدعو قومه سرَّا، وعدد المسلمين يزداد يومًا بعد يوم، ويقوى الإيمان في
قلوبهم بما ينزله الله عليهم من القرآن الكريم، وظلوا هكذا ثلاث سنوات
.
[/size]


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
5o5a
مـديـره عـا مـه للـمـنـتـدى
مـديـره عـا مـه للـمـنـتـدى
5o5a


عدد المساهمات : 101
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/04/2011

•» السيره النبويه «• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته Empty
مُساهمةموضوع: •»• السيره النبويه •«• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته   •» السيره النبويه «• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته Icon_minitimeالخميس أبريل 07, 2011 5:00 am

أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجهر بالدعوة ويبدأ بعشيرته وأهله، فقال تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} _[الشعراء:214] فنادى
الرسول صلى الله عليه وسلم قريشًا، وقال: (يا بني كعب أنقذوا أنفسكم من
النار، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا
أنفسكم من النار، يا بني هاشم وبني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا
فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإني والله لا أملك لكم من الله شيئًا إلا أن
لكم رحمًا سأَبُلُّهَا بِبِلالِهَا (سَأصِلُها) ) _[مسلم].


ونزل هذا الكلام على قلوب الكفار نزول الصاعقة،
فقد أصبحت المواجهة واضحة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه
يطلب منهم أن يتركوا الأصنام التي يعبدونها، وأن يتركوا الفواحش، فلا
يتعاملون بالربا، ولا يزنون، ولا يقتلون أولادهم، ولا يظلمون أحدًا، لكنهم
قابلوا تلك الدعوة بالرفض، وبدءوا يسخرون من النبي صلى الله عليه وسلم،
ومن دعوته، فصبر صلى الله عليه وسلم عليهم وعلى تطاولهم.


وذات مرة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يطوف
بالبيت، فتطاول عليه بعض الكفار بالكلام، ولكنه صبر عليهم ومضى، فلما مرَّ
عليهم ثانية تطاولوا عليه بمثل ما فعلوا، فصبر ولم يرد، ثم مرَّ بهم
الثالثة، فتطاولوا عليه بمثل ما فعلوا أيضًا، فقال صلى الله عليه وسلم
لهم: (أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بالذبح) فخاف
القوم حتى إن أكثرهم وقاحة أصبح يقول للرسول


صلى الله عليه وسلم بكل أدب: انصرف يا أبا القاسم، انصرف راشدًا، فوالله ما كنت جهولا.


وذات يوم، أقبل رجل من بلد اسمها (إراش) إلى مكة، فظلمه أبو جهل، وأخذ منه إبله، فذهب الرجل إلى نادي قريش يسألهم عن رجل ينصره على


أبي جهل، وهنا وجد الكفار فرصة للتسلية والضحك
والسخرية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمروا الرجل أن يذهب إلى
الرسول صلى الله عليه وسلم ليأخذ له حقه، فذهب الرجل إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وأخذوا ينظرون إليه ليروا ما سيحدث، فقام النبي صلى الله
عليه وسلم مع الرجل ليعيد له حقه من أبي جهل، فأرسلوا وراءه أحدهم؛ ليرى
ما سوف يصنعه أبوجهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب الرسول صلى
الله عليه وسلم إلى بيت أبي جهل، وطرق بابه، فخرج أبو جهل من البيت خائفًا
مرتعدًا، وقد تغير لونه من شدة الخوف، فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (أعطِ هذا الرجل حقه) فرد أبو جهل دون تردد: لا تبرح حتى أعطيه الذي
له، ودخل البيت مسرعًا، فأخرج مال الرجل، فأخذه، وانصرف.


وعندما أقبل أبو جهل على قومه بادروه قائلين:
ويلك! ما بك؟ فقال لهم: والله ما هو إلا أن ضرب عليَّ وسمعت صوته فملئت
منه رعبًا، ثم خرجت إليه، وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل ما رأيتُ مثلَه قط،
فوالله لو أبَيتُ لأكلني. [البيهقي]


وبدأ كفار قريش مرحلة جديدة من المفاوضات، فذهبوا
إلى أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا له: يا أبا طالب، إن
ابن أخيك قد سبَّ


آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا،
فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلى بيننا وبينه، فردَّ عليهم أبو طالب ردًّا
رقيقًا، فانصرفوا عنه.


ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم استمر في
إظهار دين الله ودعوة الناس إليه، فجمع الكفار أنفسهم مرة أخرى وذهبوا إلى
أبي طالب، فقالوا له: يا أبا طالب، إن لك سنًّا وشرفًا ومنزلة فينا، وإنا
قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا من
شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب


آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين.


وأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
فلما جاء قال له: يابن أخي! إن قومك قد جاءوني، وقالوا كذا وكذا فأَبقِ
علىَّ وعلى نفسك، ولا تُحملني من الأمر ما لا أطيق أنا ولا أنت، فاكف عن
قومك ما يكرهون من قولك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه: (والله يا
عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري، ما تركت هذا الأمر حتى يظهره
الله أو أهلك فيه) فقال أبو طالب: امضِ على أمرك وافعل ما أحبت، فوالله!
لا أسلمك لشيء أبدًا.


لم يستطع المشركون أن يوقفوا مسيرة الدعوة
للإسلام، ولم يستطيعوا إغراء الرسول صلى الله عليه وسلم بالمال أو بالجاه،
وقد خاب أملهم في عمه


أبي طالب، وها هو ذا موسم الحج يقبل، والعرب سوف يأتون من كل


مكان، وقد سمعوا بمحمد ودعوته، وسوف يستمعون إليه وربما آمنوا به


ونصروه، فتسرب الخوف إلى قلوب الكفار في مكة، وفكروا في قول واحد يتفقون عليه ويقولونه عن محمد صلى الله عليه وسلم حتى يصرفوا العرب


عنه، فالتفوا حول الوليد بن المغيرة، وكان أكبرهم
سنًّا؛ فقال أحدهم: نقول إن محمدًا كاهن، فقال الوليد: والله ما هو بكاهن،
لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه، فقالوا: نقول إن محمدًا
مجنون، فقال لهم: ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه، فقالوا: نقول إن
محمدًا شاعر، فقال لهم: ما هو بشاعر لقد عرفنا الشعر كله فما هو بالشعر،
فقالوا: نقول ساحر، فقال لهم: ما هو


بساحر، لقد رأينا السحرة وسحرهم وما هو منهم.


فقالوا للوليد بن المغيرة: فما تقول يا أبا عبد
شمس؟ فأقسم لهم أن كلام محمد هو أحلى الكلام وأطيبه، وما هم بقائلين من
هذا شيئًا إلا عُرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه أن تقولوا: إن محمدًا
ساحر يفرق بين المرء وأخيه وبين الرجل وزوجته والرجل وأبيه، فوافق الكفار
على رأيه وانتشروا في موسم الحج يرددون هذه الافتراءات بين الناس، حتى
يصدوهم عن دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى في الوليد
بن المغيرة قوله:
{ذرني ومن خلقت


وحيدًا . وجعلت له مالاً ممدودًا . وبنين شهودًا .
ومهدت له تمهيدًا . ثم يطمع أن أزيد . كلا إنه كان لآياتنا عنيدًا .
سأرهقه صعودًا . إنه فكر وقدر . فقتل كيف قدر . ثم قتل كيف قدر . ثم نظر .
ثم عبس وبسر . ثم أدبر


واستكبر . فقال إن هذا إلا سحر يؤثر . إن هذا إلا قول البشر . سأصليه


سقر . وما أدراك ما سقر . لا تبقي ولا تذر . لواحة للبشر . عليها تسعة عشر} _[المدثر:11-30].






إسلام عمر بن الخطاب:




دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الله أن يعز
الإسلام بأحد العمرين: عمر بن الخطاب، أو عمرو بن هشام، وكان عمر بن
الخطاب قبل أن يسلم شديد الإيذاء للمسلين، وذات يوم حمل عمر سيفه، وانطلق
يبحث عن محمد ليقتله، وفي الطريق قابله رجل، وأخبره أن أخته فاطمة قد
أسلمت هي وزوجها سعيد بن زيد، فاتجه عمر غاضبًا نحو دار أخته، ودق الباب،
وكان الصحابي خباب بن الأَرَتِّ -رضي الله عنه- يعلِّم أخت عمر وزوجها
القرآن الكريم، فلما سمعوا صوت عمر امتلأت قلوبهم بالرعب والخوف، وأسرع
خباب فاختبأ في زاوية من البيت، ودخل عمر فقال: لقد أُخبرت أنكما تبعتما
محمدًا على دينه، ثم ضرب زوج أخته، وضرب أخته على وجهها حتى سال الدم من
وجهها، ولكنها لم تخف، وقالت له في ثبات وشجاعة: نعم أسلمنا وآمنا بالله
ورسوله، فاصنع ما شئت.


ندم عمر على ما صنع بأخته، وطلب منها الصحيفة التي كانوا يقرءون


منها، فقالت له: يا أخي إنك نجس وإنه لا يمسه إلا
المطهرون، فقام عمر فاغتسل، فأعطته الصحيفة، فقرأ عمر: بسم الله الرحمن
الرحيم {طه . ما أنزلنا عليكم القرآن لتشقى . إلا تذكرة لمن يخشى .
تنزيلاً ممن خلق الأرض والسموات العلى . الرحمن على العرش استوى . له ما
في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى . وإن تجهر بالقول فإنه
يعلم السر


وأخفى . الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى} _[طه:1-8].


وكانت هذه الآيات نورًا جذب عمر إلى الإسلام
وأضاء له طريق الحق، فما إن قرأها حتى لان قلبه، وهدأ طبعه، وذهب عنه
الغضب، وقال -والإيمان يفيض في جوانحه-: ما أحسن هذا الكلام وما أكرمه، ثم
ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأعلن إسلامه، وبعد قليل من إسلام عمر
بن الخطاب -رضي الله


عنه- سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
الكعبة في وضح النهار بين عمر بن الخطاب وحمزة بن عبدالمطلب -رضي الله
عنهما- وامتنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما، وكان المسلمون لا
يقدرون أن يُصَلُّوا عند الكعبة حتى أسلم عمر بن الخطاب، فلما أسلم هو
وحمزة بن عبدالمطلب صلى المسلمون عند الكعبة.


أصبحت مكة سجنًا كبيرًا يعذب فيه ضعفاء المسلمين،
فهذا أمية بن خلف يُخرج عبده بلال بن رباح -رضي الله عنه- في حر الظهيرة
ويطرحه على ظهره عريانًا فوق الرمال المحرقة، ويضع على صدره صخرة كبيرة،
كل هذا العذاب لأن بلالا أسلم وسيده يريد منه أن يكفر بمحمد ويعبد
الأصنام، لكن بلالا كان قوي الإيمان صلب العقيدة، لم يلن ولم يستسلم، وكان
يردد قائلا: أحد .. أحد. وتحمل كل هذا العذاب حتى فَرَّجَ الله عنه.


وعُذِّبَ المسلمون داخل بيوتهم؛ فهذا مصعب بن عمير قد حبسته أمه، ومنعت
عنه الطعام، وجمعت أخواله حتى يعذبوه ليترك الإسلام، وهكذا أصبحت مكة
مكانًا غير مأمون على المسلمين، فتعذيب الكفار لهم يزداد يومًا بعد يوم،
فكر النبي صلى الله عليه وسلم في مكان يطمئن فيه على أصحابه، فوقع اختياره
على الحبشة، فأمر أصحابه ممن يطيقون الهجرة بالتوجه إليها، لأن فيها ملكًا
لا يُظلم عنده أحد، وخرج بعض المسلمين المهاجرين إلى هناك سرًّا، وكان من
بينهم عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وجعفر بن
أبي طالب وزوجته أسماء بنت عميس، وعبدالله بن مسعود -رضي الله عنهم-
وغيرهم.


ولما علم أهل قريش بذلك اشتد غيظهم ورفضوا أن يتركوا المسلمين المهاجرين
إلى الحبشة وشأنهم، بل صمموا على إرجاعهم إلى مكة، فاختاروا من بينهم
رجلين معروفين بالذكاء، وهما: عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي بلتعة
وأرسلوهما بهدايا إلى ملك الحبشة، فدخل عمرو بن العاص على النجاشي، وقال
له: أيها الملك، إنه ضَوَى (جاء) إلى بلدك منا سفهاء، فارقوا دين قومهم،
ولم يدخلوا في دينكم، وجاءوا بدين مبتدع، لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد
بعثنا إلى الملك فيهم آباؤهم وأعمامهم وعشائرهم؛ لتردهم إليهم، فهم أعلى
بهم عينًا وأعلم بما عابوا عليهم، فرفض النجاشي أن يسلِّم المسلمين لهم،
حتى يبعث إليهم ويتأكد من صحة كلام عمرو وصاحبه.


فأرسل النجاشي في طلب المسلمين المهاجرين إلى بلاده فجاءوا إليه، وأنابوا
جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه- حتى يتحدث باسمهم، فسأله النجاشي: ما هذا
الدين الذي قد فارقتم به قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد من
هذه الملل؟ فَرَدَّ عليه جعفر قائلا: أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية،
نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار،
ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف


نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما
كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث،
وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء،
ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات.


وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة
والصيام فصدَّقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله
وحده فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا
علينا قومُنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان عن
عبادة الله -تعالى- وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا
وظلمونا وضيَّقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك،
واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نُظلَم عندك أيها
الملك، فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به الله من شيء؟ قال جعفر: نعم.
فقال النجاشي: اقرأه عليَّ.


فقرأ عليه جعفر أول سورة مريم، فبكى النجاشي، ثم قال: إن هذا والذي جاء به
عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، ثم قال لعمرو وصاحبه: انطلقا، فلا والله لا
أسلمهم إليكما، وردَّ النجاشي الهدايا إلى عمرو ولم يسلم المسلمين إليه،
وهكذا فشل المشركون في الإيقاع بين المسلمين وملك الحبشة.






[size=21]ازداد عدد المسلمين، وانضم إليهم
عدد من أصحاب القوة والسيطرة، فأصبح من الصعب على المشركين تعذيبهم، فكروا
في تعذيب من نوع آخر، يشمل كل المسلمين قويهم وضعيفهم، بل يشمل كل من يحمي
النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين حتى ولو لم يدخل في الإسلام، فقر
المشركون أن يقاطعوا بني هاشم ومن معهم، فلا يزوجونهم ولا يتزوجون منهم،
ولا يبيعون لهم ولا يشترون منهم، ولا يكلمونهم، ولا يدخلون بيوتهم، وأن
يستمروا هكذا حتى يُسلِّموا إليهم محمدًا ليقتلوه أو يتركوا دينهم، وأقسم
المشركون على هذا العهد، وكتبوه في صحيفة وعلقوها داخل الكعبة.
[/size]

[size=21]
وأحكم المشركون الحصار، فاضطر الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه إلى
الاحتباس في شعب بني هاشم، وكان رجال قريش ينتظرون التجار القادمين إلى
مكة ليشتروا منهم الطعام ويمنعوا المسلمين من شرائه، فيظلوا على جوعهم،
فهذا أبو لهب يقول لتجار قريش عندما يرى مسلمًا يشترى طعامًا لأولاده: يا
معشر التجار، غالوا على أصحاب محمد؛ حتى لا يدركوا معكم شيئًا، فيزيدون
عليهم في السلعة، حتى يرجع المسلم إلى أطفاله، وهم يتألمون من الجوع، وليس
في يديه شيء يطعمهم به.
[/size]

[size=21]
ويذهب التجار إلى أبي لهب فيربحهم فيما اشتروا من
الطعام واللباس، حتى تعب المؤمنون ومن معهم من الجوع والعرى، واستمر هذا
الحصار على بني هاشم والمسلمين مدة ثلاث سنوات، ولكن المسلمين أثبتوا أنهم
أقوى من كل حيل المشركين، فإيمانهم راسخ في قلوبهم لا يزحزحه جوع ولا عطش،
حتى وإن اضطروا إلى أكل أوراق الشجر، فلم يأسوا، ولم ينفضُّوا من حول
نبيهم صلى الله عليه وسلم.
[/size]

[size=21]
وشعر بعض المشركين بسوء ما يفعلونه، فقروا إنهاء
هذه المقاطعة الظالمة وأرسل الله تعالى الأرضة (دودة أو حشرة صغيرة تشبه
النملة) فأكلت صحيفتهم، ولم تُبْقِ إلا اسم الله تعالى، وأوحى الله إلى
نبيه بذلك، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب بما حدث للصحيفة،
فذهب أبو طالب إلى الكفار وأخبرهم بما أخبره محمد صلى الله عليه وسلم به،
فأسرعوا إلى الصحيفة، فوجدوا ما قاله أبو طالب صدقًا، وتقدم من المشركين
هشام بن عمرو، وزهير بن أبي أمية والمطعم بن عدى، وأبو البختري بن هشام،
وزمعة بن الأسود، فتبرءوا من هذه المعاهدة، وبذلك انتهت المقاطعة بعد ثلاث
سنوات من الصبر، والثبات
[/size]

[size=21]
والتحمل.
[/size]






في العام العاشر من البعثة كانت الأحزان على موعد
مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد مات عمه أبو طالب الذي كان يحميه من
أهل مكة، ثم مات زوجته الوفية الصادقة السيدة خديجة -رضي الله عنها- التي
كانت تخف عنه، وتؤيده في دعوته إلى الله -عز وجل- وهي التي آمنت به
وساعدته بمالها، ورزقه الله منها الأولاد، فكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يحبها ويقدرها، وبشرها الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة -قبل موتها-
فقد أتى جبريل -عليه السلام- النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول
الله، هذه خديجة قد أت معها إناء فيه إدام، أو طعام، أو شراب، فإذا هي أتك
فاقرأ عليها السلام من ربها


ومني، وبشِّرها بيت في الجنة من قصب (المراد به لؤلؤة مجوفة واسعة كالقصر الكبير) لا صخب فيه ولا نصب) _[البخاري].


فحزن الرسول صلى الله عليه وسلم حزنًا شديدًا على وفاة زوجته وعمه، وازداد
قلقه على الدعوة، فقد فقد نصيرين كبيرين، وصدق ما توقعه الرسول صلى الله
عليه وسلم، فقد اشتد تعذيب المشركين له ولأصحابه.




زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة سودة:




كانت السيدة سودة بنت زمعة -رضي الله عنها- قد أسلمت في بداية الإسلام
وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها السكران بن عمرو، ثم عادت إلى مكة، وقد مات
زوجها، فتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم إكرامًا لها، ورحمة بها.




رحلة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف




لم يأس الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن أعرض أهل مكة عن قبول الدعوة
ولكنه بحث عن مكان آخر لنشر الدين، فأرض الله واسعة، وقد أرسله الله تعالى
ليخرج الناس جميعًا من الظلمات إلى النور.


فسافر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه خادمه زيد بن حارثة إلى الطائف
وكان ذلك بعد مضي عشر سنوات من بعثته، وظل في الطائف عشرة أيام يدعو كبار
القوم إلى الإسلام، ولكن الطائف لم تكن أحسن حالا من مكة، فقد رفض أهلها
قبول دعوته، ولم يكتفوا بذلك، بل إنهم سَلَّطوا عليه صبيانهم وسفهاءهم
فوقفوا صفين على طول طريق الرسول صلى الله عليه وسلم يسبونه، ويقذفونه
بالحجارة هو وزيد بن حارثة الذي كان يدافع عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بنفسه ويصد الحجارة، حتى جرح في رأسه، وسال الدم من قدم الرسول صلى
الله عليه وسلم.


عندئذ توجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه، ولجأ إليه، ورفع يديه
قائلا: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم
الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى بعيد


يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟! إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، غير
أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه
أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك، أو أن ينزل بي سخطك، لك العتبى
(التوبة والرجوع والاستغفار) حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك)


[ابن إسحاق].


وجد النبي صلى الله عليه وسلم بستانًا لعتبة وشيبة ابني ربيعة فجلس فيه
يريح جسده المتعب لبعض الوقت، ورأى عتبة وشيبة رسول الله صلى الله عليه
وسلم على هذه الحال، فرق قلبهما له مع أنهما مشركان، فأرسلا غلامهما
عداسًا بعنقود من عنب، ليقدمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناوله
قائلا: بسم الله، فتعجب عداس، وقال: إن هذا الكلام لا يقوله أهل هذه
البلاد -يعنى لا يقولون بسم الله- فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم عن
دينه وبلده، فقال عداس: أنا نصراني من أهل نينوى، فقال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم:


(من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟) فقال عداس متعجبًا: وما يدريك ما
يونس بن متى؟! فقال صلى الله عليه وسلم: (ذلك أخي كان نبيًّا وأنا نبي)
فانكبَّ عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه
المجروحتين.


وفي طريق عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، شاء الله أن يخف عنه
ما عاناه في الطائف، فعندما وقف يصلي الفجر مر به نفر من الجن، فاستمعوا
له، فلما فرغ من صلاته رجعوا إلى قومهم وقد آمنوا بالله وبرسوله صلى الله
عليه وسلم ، قال تعالى مخبرًا عن هذا: {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدًا} _[الجن: 1-2].






وهكذا أعرض أهل مكة عن الإسلام، وخذل أهل الطائف
النبي صلى الله عليه وسلم، وازداد إيذاء الكافرين له ولصحابته، وخاصة بعد
وفاة السيدة


خديجة -رضي الله عنها- وعمه أبي طالب، وأراد الله -سبحانه- أن يخف عن نبيه
، فأكرمه برحلة الإسراء والمعراج؛ فبينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم
نائمًا بعد العشاء جاءه جبريل، فأيقظه وخرج به حتى انتهيا إلى دابة اسمها
(البراق) تشبه البغل، ولها جناحان، فركب الرسول صلى الله عليه وسلم البراق
حتى وصل بيت المقدس في فلسطين، وصلى بالأنبياء ركعتين.


وهذه الرحلة من مكة إلى بيت المقدس تسمى (الإسراء) قال تعالى:
{سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير}_[الإسراء: 1].


ثم بدأت الرحلة السماوية من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا وتسمى
(المعراج) وإذا بأبواب السماء تفتح للنبي صلى الله عليه وسلم، فسلم على
الملائكة، وظل يصعد من سماء إلى سماء يرافقه جبريل؛ فرأى الجنة والنار،
ورأى من مشاهد الآخرة ما لم يره إنسان حتى وصل إلى سدرة المنتهى، وهو موضع
لم يبلغه نبي أو ملك قبله ولا بعده تكريمًا له، قال تعالى:
{فكان قاب قوسين أو أدنى . فأوحى إلى عبده ما أوحى}[النجم: 9-10]
وفي هذه الليلة، فرض الله الصلوات الخمس على المسلمين، ثم نزل رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، وركب البراق عائدًا إلى مكة.


وفي الصباح، حكى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه ما حدث، فكذبوه
وسخروا من كلامه، وأراد الكفار أن يختبروا صدق الرسول صلى الله عليه وسلم،
فطلبوا منه أن يصف بيت المقدس -ولم يكن رآه من قبل- فأظهر الله له صورة
بيت المقدس، فأخذ يصفه وهو يراه، وهم لا يرونه، وأخبرهم الرسول صلى الله
عليه وسلم بأشياء رآها في الطريق، وبقوم مر عليهم وهم في طريقهم إلى مكة،
فخرج الناس ينتظرونهم، فجاءوا في موعدهم الذي حدده النبي صلى الله عليه
وسلم فشهدوا بصدقه.


وأسرع بعضهم إلى أبي بكر يقول له في استنكار: أسمعت ما يقول محمد؟ وكان
أبو بكر مؤمنًا صادق الإيمان، فصدَّق الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما
قاله، فسماه الرسول صلى الله عليه وسلم (الصديق) وهكذا كانت هذه الرحلة
تسرية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتخفيفًا للأحزان التي مرَّ بها،
وتأكيدًا من الله له على أنه قادر على نصرته، وكانت أيضًا ابتلاء للذين
آمنوا حتى يميز الله الطيب من الخبيث.


جاء موسم الحج في السنة العاشرة من البعثة، فاجتمعت
القبائل من كل مكان وبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم قائلا: (يا
أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وتملكوا بها العرب، وتذل لكم
العجم، وإذا آمنتم كنتم ملوكًا في الجنة) _[الطبراني وابن سعد] وجد الرسول
صلى الله عليه وسلم ستة رجال من (يثرب) يتحدثون، فاقترب منهم، وقال لهم:
(من أنتم؟)


قالوا: نفر من الخزرج.


قال: أَمِنْ موالى يهود (أي من حلفائهم)؟


قالوا: نعم.


قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟. قالوا: بلى.


فجلس معهم وحدثهم عن الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فانشرحت له صدورهم،
وظهرت علامات القبول على وجوههم، وكانت بينهم وبين اليهود عداوة، فكان
اليهود يهددونهم بظهور نبي، وسوف يؤيدونه ويقاتلونهم معه، فلما سمعوا كلام
الرسول صلى الله عليه وسلم نظر بعضهم لبعض وقالوا: تعلمون والله إنه النبي
الذي توعدكم به اليهود فلا يسبقُنَّكُم إليه .. فأجابوا الرسول صلى الله
عليه وسلم فيما دعاهم إليه، وعدوه بأن يقابلوه في العام المقبل، ثم
انصرفوا إلى قومهم وحدثوهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتشرت
أخباره في يثرب. _[ابن إسحاق].




بيعة العقبة الأولى:




وفي شهر ذي الحجة سنة إحدى عشرة من البعثة، قدم إلى مكة اثنا عشر رجلا من
أهل يثرب من بينهم خمسة من الستة الذين كلموا الرسول صلى الله عليه وسلم
في العام الماضي، واجتمع معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكان اسمه
العقبة؛ فآمنوا به صلى الله عليه وسلم، وبايعوه على ألا يشركوا بالله


شيئًا، ولا يسرقوا، ولا يرتكبوا الفواحش والمنكرات، ولا يقتلوا أولادهم، ولا يعصوه صلى الله عليه وسلم في معروف يأمرهم به.


وكانت هذه هي بيعة العقبة الأولى، وعندما عادوا إلى يثرب أرسل رسول الله
صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير -رضي الله عنه- ليعلمهم أمور الدين
ويقرأ عليهم القرآن، فأسلم على يديه كثير من أهل يثرب.




بيعة العقبة الثانية:




وفي شهر ذي الحجة من العام الثاني عشر من البعثة، ذهب ثلاثة وسبعون رجلا
وامرأتان من أهل يثرب إلى الحج، ليبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
على الإسلام، وفي ليلة الحادي عشر من ذي الحجة تسل الرجال والمرأتان
وذهبوا إلى العقبة، وجاء إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس
بن عبدالمطلب، ولم يكن قد آمن وقتئذ، ولكنه جاء ليطمئن على اتفاق ابن أخيه
مع أهل يثرب، وليبين لهم أنه قادر على حمايته في مكة إن لم يكونوا قادرين
على حمايته في المدينة.


وتمت بيعة العقبة الثانية، وفيها عاهد الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم
على السمع والطاعة، وقال لهم : (تبايعوني على السمع والطاعة، في النشاط


والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا
قدمت عليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم


ولكم الجنة) _[أحمد].


وأصبح لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتباع أقوياء مستعدون لنصرته،
والقتال من أجل الإسلام، حتى إن أحدهم وهو العباس بن عبادة -رضي الله عنه-
قام وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: والله الذي بعثك بالحق، إن شئت
لنميلن على أهل منى غدًا بأسيافنا، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لا
يفعل إلا ما يأمره الله به، فقال له : (لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى
رحالكم)


[ابن إسحاق] واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم اثني عشر رجلا؛ ليكونوا أمراء عليهم حتى يهاجر إليهم.


وفي الصباح، تسل الخبر إلى كفار قريش، فاكتشفوا أمر ذلك الاجتماع


الخطير، وخرجت قريش تطلب المسلمين من أهل يثرب فأدركوا (سعد بن عبادة)
وأسروه وأخذوا يعذبونه ويَجُرُّونه حتى أدخلوه مكة، وكان سعد يجير ويحمي
تجارة اثنين من كبار مكة إذا مرا بلده، وهما جبير بن مطعم بن عدي والحارث
بن حرب بن أمية، فنادى باسميهما فجاءا وخلصاه من أيدي


المشركين، وعاد سعد بن عبادة -رضي الله عنه- إلى يثرب.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
5o5a
مـديـره عـا مـه للـمـنـتـدى
مـديـره عـا مـه للـمـنـتـدى
5o5a


عدد المساهمات : 101
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/04/2011

•» السيره النبويه «• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته Empty
مُساهمةموضوع: رد: •» السيره النبويه «• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته   •» السيره النبويه «• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته Icon_minitimeالخميس أبريل 07, 2011 5:07 am

رحل
الكفار بهزيمتهم، وبقي بنو قريظة بخيانتهم للمسلين، وقبل أن يستريح
المسلمون من غزوة الأحزاب، وقبل أن يلتقطوا أنفاسهم، جاء جبريل -عليه
السلام- إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال له: أو قد وضعت السلاح يا
رسول الله؟ قال: نعم. فقال جبريل: فما وضعت الملائكة السلاح بعد .. وإن
الله -عز وجل- يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة، فإني عامد (ذاهب)
إليهم فمزلزل بهم. فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم مناديًا ينادي في
الناس: (لا يصلِّينَّ أحدٌ العصر إلا في بني قريظة) _[البخاري].
فأسرع ثلاثة آلاف مقاتل من المسلمين إلى يهود بني قريظة، وحاصروهم في
حصونهم، فلم يجد اليهود مفرًّا من المسلمين؛ ولم يجدوا ما يعتذرون به عن
خيانتهم التي كادت تهلك المسلمين، لولا توفيق الله لنعيم بن مسعود، وحاصر
المسلمون حصون بني قريظة، فملأ الرعب قلوبهم، وطلبوا أبا لبابة بن عبد
المنذر لما بينهم وبينه من صلة، يستشيرونه أينزلون على حكم محمد؟! فقال
لهم: نعم وأشار إلى حلقه، كأنه ينبههم إلى أنه الذبح، ثم أدرك أنه أفشى
سرًّا من أسرار المسلمين، وأنه قد خان رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأسرع إلى مسجد المدينة، وربط نفسه إلى عمود فيه، وحلف ألا يفك منها حتى
يتوب الله عليه فقبل الله توبته؛ وعفا الرسول صلى الله عليه وسلم عنه.
واستمر الحصار خمسًا وعشرين ليلة، فلما رأى اليهود عزم المسلمين على
اقتحام حصن بني قريظة، قالوا: يا محمد نزل على حكم سعد بن معاذ، وكان سعد
سيد الأوس، وهم حلفاء بني قريظة في الجاهلية، وقد توقع اليهود أن هذه
الصلة تنفعهم، وتوقع الأوس أيضًا أن زعيمهم سوف يتساهل مع حلفائهم
السابقين.
وكان سعد مصابًا في غزوة الخندق، فحملوه راكبًا إلى بني قريظة، وجاء إليه
قومه يوصونه بالإحسان إلى بني قريظة، فقال قولته الشهيرة: لقد آن لسعد ألا
تأخذه في الله لومة لائم، فعلم قومه أنه سيأمر بقتلهم، فنظر سعد إلى
اليهود وتذكر خيانتهم للعهد الذي بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم،
فأعلن حكمه عليهم، بأن يقتل رجالهم، وتسبي نساؤهم وأبناؤهم، وتقسم أموالهم
على المسلمين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم يا سعد
بحكم الله من فوق سبع سماوات) _[متفق عليه].
وهكذا كان حب سعد لدينه ونبيه أكبر مما كان بينه وبين اليهود من مودة في الجاهلية، وهكذا انتهت غزوة بني قريظة، ونزل قوله تعالى:
{ورد
الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويًا
عزيزًا . وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم
الرعب فريقًا تقتلون وتأسرون فريقًا . وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم
وأرضًا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرًا}
[الأحزاب: 25-27].

زواج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة (زينب بنت جحش):


تبنى الرسول صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، وزوجه بنت عمته
زينب بنت جحش، وكان الابن بالتبني له نفس حقوق الابن الأصلي، فله حق
الميراث، وزوجته تحرم على أبيه الذي تبناه، فأراد الله أن يمنع تلك
العادة، وأن ينسب الابن إلى أبيه، فشاء الله -سبحانه- ألا تستمر الحياة
الزوجية بين زيد والسيدة زينب -رضي الله عنهما- فوقعت بينهما جفوة وشقاق،
وكلما هم زيد بتطليقها نهاه صلى الله عليه وسلم، وقال له: أمسك عليك زوجك.

ثم طلقها زيد، ثم أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتزوج السيدة
زينب -رضي الله عنها- وبذلك بطلت عادة التبني، وما كان ينتج عنها من أمور تخالف الدين، قال تعالى: {إذ
تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في
نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها
وطرًا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا
منهن وطرًا وكان أمر الله مفعولاً . ما كان على النبي من حرج فيما فرض
الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرًا مقدورًا .
الذين يبلغون رسالات ربهم ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلا الله وكفي بالله
حسيبًا . ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبين وكان
الله بكل شيء عليماً}
[الأحزاب: 37-40].


في شهر المحرم من العام السادس الهجري خرجت سرية من المسلمين إلى
بني بكر، فهرب بنو بكر خوفًا من المسلمين، وتركوا أنعامهم وإبلهم، فأخذها
المسلمون، وبينما المسلمون عائدون وجدوا أمامهم ثمامة بن أثال، ولم يكن قد
أسلم بعد، فقبض عليه المسلمون، وعندما وصلوا المدينة ربطوه في أحد أعمدة
المسجد، وعندما رأى ثمامة الرسول صلى الله عليه وسلم طلب منه أن يطلقه
مقابل ما يريد من المال، وقال له: إن تقتل تقتل ذا دم (أي: رجلا له مكانة
في قومه وسوف يثأرون له) وإن تنعم تنعم على شاكر (أي رجل يعرف لك جميلك
ويكافئك عليه).
فعفا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأطلق سراحه، فانصرف ثمامة، ولكنه
عاد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأعلن إسلامه، وقال: أشهد أن لا إله
إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، يا محمد، والله ما كان على الأرض
وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، والله ما كان من دين
أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إلي، والله ما كان من بلد أبغض
إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد
العمرة، وذهب ثمامة إلى مكة، فلما عرفوا أنه قد أسلم قالوا له: صبوت
(أي: فارقت دينك)؟ قال: لا والله .. ولكن أسلمت مع محمد رسول الله
صلى الله عليه وسلم، والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة (قمح) حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم.
ومرت الأيام، وأحاط الجوع بقريش، واحتاجت إلى القمح، فأرسلوا إلى النبي
صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يأمر ثمامة بإرسال القمح إلى قريش، ورغم أن
قريشًا حاصرت الرسول وقومه في شِعب أبي طالب ثلاث سنوات، وأذاقوهم عذاب
الجوع، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قابل الإساءة بالإحسان ورفض
تعريض قريش للجوع، وأمر ثمامة أن يبيع لهم القمح.

غزوة بني لحيان


لكي لا يتجرأ
الكفار على المسلمين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان يريد
بني لحيان، وقد أظهر أنه متوجه إلى الشام؛ ليفاجئ القوم ولينتقم من الذين
غدروا بأصحابه يوم الرجيع، فلما سمعت هذه القبائل الغادرة بمقدمه هربت إلى
الجبال، ومكث المسلمون يومين، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض
فرسانه قريبًا من مكة؛ لتسمع بهم قريش، وليعلموا بما حدث فيزدادوا خوفًا
ورعبًا من المسلمين، ثم عاد المسلمون إلى المدينة.


في
العام السادس من الهجرة، وفي شهر ذي الحجة، خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم من المدينة متوجهًا إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، وخرج معه
المهاجرون والأنصار ومن لحق بهم من العرب، وليس معهم من السلاح إلا
السيوف، وقد ساقوا معهم الهدي (الذبائح)؛ ليظهروا حسن نيتهم ويُعْلِموا
أهل مكة أنهم جاءوا حاجين إلى البيت وزائرين له، ولم يأتوا لحرب أو قتال،
بل لأداء العمرة.
وصل الخبر بمسير الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فإذا بقريش تفور من
الغضب والغيظ، فكيف يتجرأ المسلمون على المجيء إليهم، ودخول مكة بهذه
السهولة؟! فلا بد من صدِّهم ومنعهم من دخولها، وتعاهدوا على ألا يدخلها
النبي صلى الله عليه وسلم والذين معه، وخرجت خيلهم يقودها خالد بن الوليد؛
لمنع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من دخول مكة.
وتعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من وقوف قريش في وجه من قصد زيارة
الكعبة، فقال: (أشيروا علي أيها الناس) فقال أبو بكر: يا رسول الله خرجت
عامدًا لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حرب أحد، فتوجه له، فمن صدنا عنه
قاتلناه. فقال صلى الله عليه وسلم: (امضوا على اسم الله) وعقد العزم على
الجهاد، ولكنه لم يرد الصدام مع قريش، فقال صلى الله عليه وسلم: (من رجل
يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها) فقال رجل: أنا
يا رسول الله. فسلك بالمسلمين طريقًا غير الذي خرجت إليه جيوش المشركين._[ابن إسحاق].
وبينما رَكْبُ الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يسير بأمر الله تعالى
بركت الناقة التي يركبها الرسول صلى الله عليه وسلم في مكان قريب من مكة
يسمى الحديبية، فقال الصحابة: خلأت القصواء (اسم ناقة الرسول صلى الله
عليه وسلم) خلأت القصواء .. فقال صلى الله عليه وسلم: (ما خلأت القصواء
وما ذلك لها بخلق، لكن حبسها حابس الفيل) _[البخاري] وعلم رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن الله تعالى لا يريد له دخول مكة، ولا الصدام مع قريش في
ذلك الوقت، فقر التفاوض مع قريش في شأن دخول المسلمين مكة لزيارة البيت
الحرام، وقال: (والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله
إلا أعطيتهم إياها) _[ابن إسحاق].
وعند بئر الحديبية تجمع المسلمون حول النبي صلى الله عليه وسلم وقد أصابهم
العطش، فماء البئر قليل لا يكفيهم، فشكوا للنبي صلى الله عليه وسلم، فجلس
صلى الله عليه وسلم على حافة البئر، وتوضأ، ثم صبَّ الماء في البئر، فكثر
الماء وظلوا يشربون وتشرب إبلهم حتى تركوا الحديبية ورحلوا. _[البخاري].
أما قريش فقد أصابهم الفزع بعدما تأكدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم عازم
على دخول مكة، فأرسلوا إليه رسلا يستوضحون الأمر، وكان أول الرسل بديل بن
ورقاء الخزاعي، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنا لم نجئ لقتال أحد
ولكن جئنا معتمرين .. يا ويح قريش، لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا
بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا، وإن أظهرني
الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما
تظن
قريش، فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة (يقصد: الموت)) _[ابن إسحاق].
وكان آخر الرسل عروة بن مسعود الثقفي عم الصحابي المغيرة ابن شعبة، وإذا
به يقف مبهورًا من طاعة المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتماسكهم
وقوة إيمانهم، فعاد إلى قومه يقول لهم: أي قوم، والله لقد وفدت على
الملوك، على كسرى وقيصر والنجاشي، وإني والله ما رأيت ملكًا يعظمه أصحابه
ما يعظم أصحاب محمد محمدًا، والله ما تَنخَّم (بصق) نخامة إلا وقعت في كف
رجل منهم فدلَّك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وما يحدُّون
النظر إليه تعظيمًا له، وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.
وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ليشرح لقريش
ما يريده المسلمون، وإذا بالمشركين يعرضون على عثمان أن يطوف وحده بالبيت،
ولكنه رفض أن يطوف وحده دون المسلمين، فاحتبسته قريش عندها، فلما طالت
غيبته ظن المسلمون أن الكفار قتلوه، فاجتمعوا حول نبيهم صلى الله عليه
وسلم وبايعوه على القتال حتى الاستشهاد في سبيل الله، وفيهم نزل قوله
تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبًا} [الفتح: 18]


شروط الصلح:


وعلمت قريش بهذه النية، فخافت وأطلقت عثمان على الفور، وأرسلت
سهيل بن عمرو، وكان رجلا فصيحًا عاقلا يجيد التفاوض، فلما رآه الرسول صلى
الله عليه وسلم قال: قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل، فلما جاء
سهيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلما طويلا ثم جري بينهما
الصلح، فاتفق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على:
- أن يرجع المسلمون هذا العام ويعودوا في العام القادم.
-وأن تتوقف الحرب بينهما لمدة عشر سنوات.
-وأن من أراد أن يتحالف مع المسلمين فله ذلك، ومن أراد التحالف مع قريش فله ذلك.
-وأن يرد الرسول صلى الله عليه وسلم من جاء إليه من قريش دون
إذن وليه، ولا ترد قريش من يأتيها من المسلمين.
وعند سماع عمر بهذه الشروط أتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر أليس برسول الله؟
قال: بلي. قال: أو لسنا بالمسلمين؟ قال: بلى. قال: أو ليسوا بالمشركين؟
قال: بلي. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال أبو بكر: يا عمر الزم
غرزه، فإني أشهد أنه رسول الله. قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله. _[متفق
عليه].
ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وقال له اكتب: بسم الله
الرحمن الرحيم. فقال سهيل: لا أعرف هذا، ولكن اكتب: باسمك اللهم. فقال
الرسول صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم. فكتبها، ثم قال: اكتب: هذا
ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو. فقال سهيل : لو شهدت أنك رسول
الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك. فقال صلى الله عليه وسلم:
اكتب. هذا ما صالح عليه محمدُ بن عبدالله، سهيلَ بن عمرو. فرفض على أن
يمحو كلمة رسول الله بعد ما كتبها، فمحاها الرسول صلى الله عليه وسلم
بنفسه. _[متفق عليه].
وبهذا الصلح دخلت قبيلة خزاعة في عهد المسلمين ودخلت قبيلة بني بكر في عهد
المشركين، وقبل أن يوقع الرسول صلى الله عليه وسلم على كتاب الصلح إذا
بأبي جندل بن سهيل بن عمرو يأتي مسلمًا، فلما رآه أبوه سهيل؛ قام إليه
فضرب وجهه، وأخذ بثيابه، ثم قال: يا محمد، قد لجت القضية (أي حسمت) بيني
وبينك قبل أن يأتي هذا. قال: صدقت.
فأخذ سهيل يجر ابنه ليرده إلى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا
معشر المسلمين، أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني؟ فقال صلى الله عليه
وسلم: (يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من
المستضعفين فرجًا ومخرجًا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا وأعطيناهم

على ذلك، وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم) _[ابن إسحاق] وغضب المسلمون
من هذا الصلح، فقد بَدَت الشروط في أعينهم ظالمة، فقال لهم الرسول صلى
الله عليه وسلم: (أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره، ولن يُضَيِّعني)
[البخاري].
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتابة المعاهدة، قال للمسلين:
(قوموا، فانحروا) وقالها ثلاثًا، فلم يقم أحد، فغضب الرسول صلى الله عليه
وسلم، ودخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت: يا رسول الله
أتحب ذلك؟ اخرج، ثم لا تكلم أحدًا كلمة حتى تنحر بُدْنَكَ، وتدعو حالقك
فيحلقك. فقام الرسول صلى الله عليه وسلم وخرج فلم يكلم أحدًا حتى نحر
بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا إبلهم، وجعل
بعضهم يحلق لبعض. [أحمد].
ولكن هل التزم المسلمون والمشركون بشروط هذه المعاهدة؟ لقد ضاق المسلمون
المعذبون في مكة بمقامهم بعيدًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين
في المدينة، فر منهم أبو بصير عبيد الله بن أسيد، وهاجر إلى المدينة يبغي
المقام فيها مع المسلمين، فأرسلت قريش وراءه اثنين من رجالها، ليعودا به
إليها تنفيذًا لشروط الصلح، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا أبا
بصير، إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، ولا يصلح لنا في ديننا
الغدر، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا، فانطلق
إلى قومك) _[ابن إسحاق].
وحزن أبو بصير وقال: يا رسول الله أتردني إلى المشركين ليفتنوني في ديني؟
فلم يزد النبي صلى الله عليه وسلم عن تكرار رجائه في الفرج القريب، ثم
أرسل أبا بصير مع القرشين ليعودوا جميعًا إلى مكة، فاحتال أبو بصير أثناء
الطريق على سيف أحد الحارسين وقتله به، فر الآخر مذعورًا، ورجع إلى
المدينة يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما وقع من أبي بصير، وإذا بأبي
بصير يطلع شاهرًا السيف يقول: يا رسول الله، وفت ذمتك وأدى الله عنك،
أسلمتني بيد القوم وامتنعت بديني أن أفتن أو يعبث بي، فقال صلى الله عليه
وسلم: (ويل أمه (كلمة مدح) مُسَعِّرُ حرب (أي مشعل حرب) لو كان معه رجال)
_[أحمد].
وأدرك أبو بصير أنه لا مقام له في المدينة، ولا مأمن له في مكة، فانطلق
إلى ساحل البحر في ناحية تدعي (العيص) وشرع يهدد قوافل قريش بطريق الساحل
وسمع المسلمون بمكة عن مقامه، فتلاحقوا به حتى اجتمع إليه نحو سبعين
ثائرًا كان منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو، وكونوا جيشًا ضَيقَ على قريش
فلا يظفر بأحد إلا قتله، ولا تمر بهم قافلة إلا اقتطعوها، فأرسلت قريش إلى
النبي صلى الله عليه وسلم تناشده أن يؤوي إليه هؤلاء فلا حاجة لها بهم.
وبذلك نزلت قريش عن الشرط الذي أملته تعنتًا وقبله المسلمون كارهين، وهذا
هو أول الفتح على المسلمين، فقد تأكد لهم بعد ذلك أن المعاهدة كانت
لصالحهم، وأنها أتاحت لهم فرصة لنشر دينهم بعيدًا عن الانشغال بالحرب مع
قريش.

إسلام أبي العاص بن الربيع:

وعندما كان أبو جندل وأبو بصير وأصحابهما في المكان الذي اجتمعوا فيه عند
ساحل البحر، مرت بهم قافلة تجارية لقريش بقيادة أبي العاص بن الربيع زوج
السيدة زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت قد فارقته؛ لأنه كان
مشركًا، وهاجرت وحدها إلى المدينة.
فهاجم أبو جندل ومن معه القافلة وأسروهم وأخذوا ما معهم من أموال، ولم
يقتلوا منهم أحدًا إكرامًا لأبي العاص، وأخلوا سبيله، فقدم أبوالعاص
المدينة واستجار بزينب، فكلمت زينب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطب قائلا: (إنا صاهرنا أناسا،
وصاهرنا أبا العاص، فنعم الصهر وجدناه، وإنه أقبل من الشام في أصحاب له
من قريش، فأخذهم أبو جندل وأبو بصير، وأخذوا ما كان معهم، ولم يقتلوا منهم
أحدًا، وإن زينب بنت رسول الله سألتني أن أجيرهم، فهل أنتم مجيرون أبا
العاص وأصحابه؟) فقال الناس: نعم. فلما بلغ أبا جندل وأصحابه قول الرسول
صلى الله عليه وسلم أطلقوا من كان عندهم من أصحاب أبي العاص وردوا إليهم
أموالهم.
ثم خرج أبو العاص حتى قدم مكة، فأدى إلى الناس بضائعهم، ثم أعلن
إسلامه، وعاد أبو العاص إلى المدينة مسلمًا، فرد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم زوجته زينب -رضي الله عنها


لم يهدأ يهود خيبر عن الكيد ضد الإسلام،
فكوَّنوا جبهة معادية للمسلين، واستمالوا قبيلة غطفان والأعراب المجاورين
لهم في شمال المدينة، فخرج النبي ( على رأس جيش لتأديبهم والقضاء على
خطرهم. وكانت تلك الموقعة الرابعة بين المسلمين واليهود، فالأولى كانت مع
يهود بني قينقاع، والثانية مع بني النضير، والثالثة مع بني قريظة.
وبينما كان المسلمون يسيرون في الطريق إلى خيبر، أخذ عامر ابن الأكوع ينشد ويقول:
اللهمَّ لولا الله ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداءً لك ما اقتفينا
وثبِّتِ الأقدامَ إن لاقينا
وألَقينْ سكينة علينا
إنا إذا صيح بنا أَتينا
وبالصَّباح عَوَّلوا علينا
فقال رسول الله (: "من هذا السائق؟" قالوا: عامر بن الأكوع. قال: يرحمه الله. [متفق عليه].
وأراد الرسول ( أن يقسم جبهة الأعداء المؤلفة من اليهود وغطفان، فأوهم
غطفان أن الهجوم متجه إليها، فرجعوا إلى ديارهم بعد أن خرجوا لينضموا إلى
اليهود في خيبر. وهكذا نجحت خطة النبي ( في عزل اليهود عن حلفائهم
المشركين.
فلما أشرف رسول الله ( على خيبر قال لأصحابه: فقوا. ثم تضرع إلى الله بهذا
الدعاء: "اللهمَّ رب السماوات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقلن، ورب
الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين، فإنا نسألك خير هذه القرية
وخير أهلها وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها".
وصل المسلمون إلى حدود خيبر ليلاً، فمنعهم إيمانهم من أن يهاجموا أعداءهم
فجأة بليل فانتظروا حتى الصباح، وفي الصباح خرج اليهود إلى مزارعهم،
فوجئوا بالمسلمين يحيطون بلدهم، فأسرعوا إلى حصونهم وهم يصرخون: محمد
والله، محمد والخميس (الجيش). فقال رسول الله (: "الله أكبر خربت خيبر،
إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين" [متفق عليه].
وشنَّ المسلمون هجومًا قويًّا على حصون خيبر المشيدة، فسقطت في أيديهم
حصنًا بعد حصن، حتى لم يبق منها غير حصون قليلة قوية اعتصم بها اليهود،
وصعب فتحها على المسلمين، فقال رسول الله (: "لأعطين الراية غدًا رجلاً
يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله".
فبات الناس يتساءلون: أيُّهم يُعطاها؟ فلما أصبحوا تطلعوا إلى أخذها. فقال
النبي (: "أين علي بن أبي طالب؟" فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال:
"فأرسلوا إليه".
فأتي به، فبصق رسولُ الله ( في عيني علي ودعا له، فشفي حتى كأن لم يكن به
وجع، فأعطاه الراية، فقال (: "انفذ إليهم حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى
الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى، فوالله لأن يهدي الله
بك رجلاً واحدًا خيرٌ لك من حُمر النعم" [متفق عليه]. ثم خرج عليٌ فقاتل،
فكان الفتح على يديه ولم يبق إلا حصنان، ظل المسلمون يحاصرونهما، حتى أيقن
من فيهما بالهلاك، فطلبوا أن يخرجوا ويتركوا الأموال مقابل أن يتركهم
المسلمون، فوافقهم الرسول ( على ذلك.
ثم سألوا رسول الله ( أن يبقى خيبر تحت أيديهم يعملون فيها ويزرعون؛ لأنهم
أعرف بأراضيهم ولهم نصف ما يخرج منها، فصالحهم رسول الله ( على ذلك، وقال
لهم: "على أنا إن شئنا أن نخرجكم أخرجناكم" [متفق عليه].فأقروا بذلك.
وبعد أن صالحهم رسول الله (، أهدت إليه امرأة منهم شاة مشوية وكانت قد
سألت: أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله (؟ فقيل لها: الذراع. فأكثرت
فيها من السم، ثم سمت سائر الشاة وجاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول
الله ( تناول الذراع، فأوحى الله -عز وجل- إليه بأنها مسمومة.
فجمع النبي ( اليهود فقال لهم: "إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه؟"
فقالوا: نعم. قال لهم النبي (: "من أبوكم؟". قالوا: فلان. فقال:"كذبتم، بل
أبوكم فلان". قالوا: صدقت. قال: "فهل أنتم صادقيَّ عن شيء إن سألت عنه؟"
فقالوا: نعم يا أبا القاسم. قال: "هل جعلتم في هذه الشاة سُمًّا؟" قالوا:
نعم. قال: "ما حملكم على ذلك"؟ قالوا: إن كنت كاذبًا تستريح، وإن كنت
نبيًّا لم يضُرَّك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
5o5a
مـديـره عـا مـه للـمـنـتـدى
مـديـره عـا مـه للـمـنـتـدى
5o5a


عدد المساهمات : 101
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/04/2011

•» السيره النبويه «• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته Empty
مُساهمةموضوع: رد: •» السيره النبويه «• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته   •» السيره النبويه «• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته Icon_minitimeالخميس أبريل 07, 2011 5:12 am

زواج الرسول ( من السيدة صفية بنت حي ) :

وتزوج الرسول ( في
هذه الغزوة السيدة صفية بنت حيى بن أخطب زعيم اليهود، وكانت من الأسرى
فأعتقها رسول الله ( بعد أن أسلمت، وتزوجها وجعل مهرها عتقها.


[size=21]يهود فدك:


وبعد أن انتصر المسلمون على اليهود في خيبر، بقي يهود فدك وتيماء وادي
القرى، أما يهود فدك فقد أرسل إليهم الرسول ( يدعوهم إلى الإسلام، وعندما
علموا بهزائم إخوانهم في خيبر صالحوا الرسول ( على ما صالحه عليه أهل
خيبر.

يهود وادي القرى:

انطلق المسلمون إلى يهود وادي القرى، فتتابعت عليهم السهام من حصون
اليهود. فأصيب خادم الرسول بسهم فقتله، فقال المسلمون: هنيئًا له الجنة.
فقال الرسول ( لهم: "بلى، والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أصابها يوم
خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارًا" [متفق عليه]. فقد
سرق ذلك الخادم قطعة قماش من مغانم خيبر، وسوف يُعذَّب بها في قبره.
وبدأ المسلمون يرتبون صفوفهم ويقفون أمام الحصون، وإذا برجل من اليهود
يخرج لمبارزة المسلمين، فانطلق إليه الزبير بن العوام -رضي الله عنه-
فقتله فتتابع بعده اليهود وكلما خرج يهودي قتله مسلم بتوفيق الله، ثم ما
لبثوا أن استسلموا، فصالحهم المسلمون على صلح مثل صلح خيبر.

يهود تيماء:

فزع يهود تيماء من هزائم اليهود المتتالية في فدك، وخيبر، وادي القرى،
فعرضوا على المسلمين الصلح دون أية مقاومة، فصالحهم الرسول ( كصلح أهل
خيبر، وأخذ منهم الجزية وتركهم في أرضهم وأموالهم. وبذلك أمن الرسول (
جانب اليهود وتفرغ لنشر دين ربه الذي أمره به.

عودة المهاجرين من الحبشة:

بعد خمسة عشر عامًا من الغربة والفراق الطويل في بلاد الحبشة، والبعد عن
رسول الله (، قدم جعفر بن أبي طالب ومن كان معه في الحبشة إلى المدينة في
العام السابع الهجري، فامتلأت قلوبهم بالسعادة حينما رأوا كثرة المسلمين،
ونصر الرسول ( على أعدائه، وكانت سعادة النبي ( غامرة حين رآهم واطمأن
عليهم، وقيل: إن الرسول ( من فرط سروره قال: "والله ما أدري بأيهما أفرح
بفتح خيبر أم بقدوم جعفر" [الحاكم والطبراني]. مما يدل على أنه فرح فرحًا
شديدًا بعودة المسلمين من الحبشة.
وكان من ضمن المهاجرين القادمين من الحبشة الأشعريون الذين ينتسب إليهم
الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري هو وبعض قومه يريدون الرسول ( في
المدينة، وركبوا سفينة من اليمن، لكن الرياح ألقت بهم نحو الحبشة، وهناك
التقوا بجعفر بن أبي طالب ومن معه من المسلمين، وكأن الله تعالى أرسل
إليهم هؤلاء الناس ليكونوا أُنسًا لهم في غربتهم فأقاموا هناك، حتى عادوا
سويًّا وانضموا إلى صفوف المسلمين في المدينة.


ما زال الكفار يهددون المسلمين، ويشكلون
خطرًا عليهم، فهذه قبائل غطفان تتجمع للهجوم على المدينة، فكان لابد من
الخروج إليهم وردعهم قبل أن يهاجموا المسلمين.
فخرج المسلمون في شهر ربيع الأول من العام السابع من الهجرة، وهم لا
يبالون بالتعب، يتبادل كل ستة منهم ركوب بعير واحد، ويسيرون في الجبال،
وفوق الصخور، حتى أصيبت أقدامهم وسقطت أظافرهم، فأخذوا يلفون أرجلهم
بالخرق والرقاع (القماش القديم)، فسميت هذه الغزوة باسم ذات الرقاع، وتسمى
أيضًا بغزة نجد.
فلما علمت قبائل غطفان بقدوم المسلمين هربت، فلم يقع قتال، وعاد المسلمون
منتصرين. وفي طريق العودة اشتد الحر عليهم، وجاء وقت القيلولة فنزلوا في
وادْ كثير الأشجار، وتفرق المسلمون يستظلون فيه.
وقد نام الرسول ( تحت شجرة وعلق سيفه بها، فإذا بأعرابي كافر يأتي فيأخذ
السيف، فشعر به الرسول، واستيقظ من نومه، فقال الأعرابي: من يمنعك مني؟
فقال رسول الله (: "الله". وإذا بالأعرابي يرتعد ويسقط السيف من يده،
فأخذه النبي ( ثم عفا عن الأعرابي وتركه. [متفق عليه].

[/size]


في
العام السابع الهجري، أصبح للمسلين الحق في دخول مكة للعمرة حسب اتفاقهم
مع قريش في العام السابق، فخرج رسول الله ( ومعه ألفان من المسلمين ودخلوا
مكة حاملين سيوفهم، وأخذوا يطوفون حول الكعبة في عزٍّ وقوة، حتى قال أهل
مكة من الكفار، وهم ينظرون في دهشة إلى المسلمين وقوتهم: هؤلاء هم الذين
قلتم: إن حُمَّى المدينة أضعفتهم! [أحمد]
وقضى المسلمون عمرتهم ثم خرجوا من مكة بعد ثلاثة أيام احترامًا للاتفاق
الذي عقدوه في صلح الحديبية مع كفار قريش، وسميت هذه العمرة بعمرة القضاء؛
لأن المشركين صدوا رسول الله ( عام الحديبية عن البيت الحرام، فكان مجيئه
في العام التالي لقضاء ما فاته.
وبينما الرسول ( وحوله أصحابه عائدون،إذا بفتاة تخرج من مكة، تجري خلفهم وتنادي رسول الله ) قائلة: يا عم. يا عم.
إنها ابنة حمزة سيد الشهداء الذي استشهد في أحد، فأخذها علي بن أبي طالب،
وسلمها إلى السيدة فاطمة زوجته، وإذا بزيد بن حارثة وجعفر يتنافسان على
أيهما أحق بكفالتها.
فقال جعفر: ابنة عمي وخالتها زوجتي. وقال علي: أنا أخذتها وهي بنت عمي.
وقال زيد: ابنة أخي؛ لأن النبي ( قد آخى بين زيد وحمزة. فحكم النبي ( بأن
تكون مع جعفر وزوجته. وقال: "الخالة بمنزلة الأم" [البخاري].
وفي هذه العمرة تزوج الرسول ( من السيدة ميمونة بنت الحارث الهلالية
-رضي الله عنه-.

إسلام عمرو بن العاص:


أمام انتصارات
الإسلام المتتالية، وازدياد قوة المسلمين يومًا بعد يوم، وقف عمرو بن
العاص مع نفسه، فهداه تفكيره إلى أن يرحل إلى الحبشة ويراقب من هناك صراع
الإسلام مع المشركين من قريش، فإذا انتصر المسلمون كان آمنًا، وإذا انتصر
الكفار عاد إليهم.
وبينما عمرو بن العاص يستعد للدخول إلى النجاشي ملك الحبشة إذا به يرى
عمرو بن أمية الضمري -رضي الله عنه- خارجًا من عنده، فلما دخل عمرو على
النجاشي قال له: أيها الملك إن قد رأيت رجلاً يخرج من عندك وهو رسول رجل
عدو لنا فأعطنيه لأقتله فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا.
فغضب النجاشي، ولطم أنفه بضربة شديدة، حتى ظن عمرو أن أنف النجاشي قد
كسرت، وارتعد عمرو من الخوف، لكنه تماسك وقال للنجاشي: أيها الملك! والله،
لو ظنت أنك تكره هذا ما سألتكه. قال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه
الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى فتقتله؟ فقال عمرو: أيها الملك، أكذاك
هو؟ فقال النجاشي: ويحك يا عمرو! أطعني واتبعه فإنه والله لعلى الحق،
وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى بن عمران على فرعون وجنوده.
فقال عمرو: أفتبايعني له على الإسلام؟ قال: نعم.
فبسط عمرو يده، فبايعه على الإسلام. فلما قدم عمرو المدينة ذهب إلى رسول
الله ( ليبايعه وقال لرسول الله (: يا رسول الله إني أبايعك على أن تغفر
لي ما تقدم من ذنبي ولا أذكر ما تأخر. فقال رسول الله (: "يا عمرو بايع،
فإن الإسلام يجُبُّ (يهدم) ما كان قبله، وإن الهجرة تَجُبُّ ما كان
قبلها"[ابن إسحاق] فأسلم عمرو، وكان إسلامه في العام الثامن الهجري.

إسلام خالد بن الوليد:

وقف خالد بن الوليد بعد صلح الحديبية حائرًا، فقد فَطن إلى أن النصر سيكون للمسلين على قريش، وبدأ يفكر في مكان يذهب إليه.
وعندما وصل المسلمون مكة في عمرة القضاء، ومعهم الوليد بن الوليد أخو
خالد، ظل الوليد يبحث عن أخيه خالد، فلما لم يجده ترك له رسالة، قال فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن
الإسلام، وعقلك عقلك! ومثلُ الإسلام جهله أحد؟! وقد سألني رسول الله ( عنك
فقال: "أين خالد؟" فقلت: يأتي الله به. فقال: "مثله جهل الإسلام! ولو كان
جعل نكايته وجدَّه مع المسلمين على المشركين، لكان خيرًا له، ولقدَّمناه
على غيره". فاستدرك يا أخي ما فاتك من مواطن صالحة. قرأ خالد هذه الكلمات
الصادقة، فانشرح صدره للإسلام وتوجه إلى رسول الله ).
وفي الطريق، التقى بعمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة فتوجهوا معًا إلى
المدينة وقد جمع الإسلام بين قلوبهم، فلما رآهم الرسول ( أشرق وجهه
بابتسامة عذبة، وبايعهم على الإسلام


في العام الثامن الهجري، أرسل رسول الله ( الحارث بن عمير الأزدي
-رضي الله عنه- إلى أمير بُصرى؛ ليدعوه وقومه إلى الإسلام، فطغى أمير بصرى
وأتباعه، وقتلوا هذا الصحابي الجليل، فغضب رسول الله ( والمسلمون من هذا
الغدر وهذه الخيانة، وجهز جيشًا من ثلاثة آلاف جندي؛ لتأديب هؤلاء القوم،
وجعل رسول الله ( زيد بن حارثة قائدًا على الجيش، فإن قتل فجعفر بن أبي
طالب، فإن قتل فعبد الله بن رواحة. [البخاري]
وانطلق الجيش حتى بلغ الشام، وفوجئ المسلمون بأن جيش الروم يبلغ مائتي ألف مقاتل، فكيف يواجهونه بثلاثة آلاف مقاتل لا غير؟
وقف عبد الله بن رواحة الأسد، يشجع الناس ويقول لهم: يا قوم والله إن التي
تكرهون للتي خرجتم تطلبون.. الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا
كثرة، وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به. فانطلقوا فإنما هي
إحدى الحسنين: إما ظهور (نصر) وإما شهادة.
فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحة. فمضى الناس، وقد امتلأت قلوبهم ثقة بالله -سبحانه-.
ورغم هذا الفارق الكبير في العدد، حيث إنَّ كل مسلم منهم يواجه وحده حوالي
سبعين مشركاً، فقد دخلوا في معركة حامية وهم مشتاقون إلى الشهادة، والموت
في سبيل الله.
والتقى الجيشان، وقاد زيد بن حارثة جيش المسلمين، وهو يحمل راية رسول الله
( حتى استشهد -رضي الله عنه-، فأخذ الراية جعفر بن أبي طالب، واشتدت
المعركة، فنزل جعفر عن فرسه وعقرها (قطع أرجلها) حتى لا يأخذها أحد الكفار
فيحارب عليها المسلمين، وحمل جعفر الراية بيمينه فقطعت، فأخذها بشماله
فقطعت، فاحتضنها بعضديه حتى استشهد -رضي الله عنه-، فحمل الراية عبد الله
بن رواحة، وجد في نفسه بعض التردد، فحث نفسه على الجهاد بقوله:
أقسمت يا نفسُ لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنة مالي أراك تكريهن الجنة
وقاتل حتى استشهد في سبيل الله.
عندئذ كان لابد من أن يبحث المسلمون عن قائد يدير المعركة بعد استشهاد القادة الثلاثة، فاتفق الناس على خالد بن الوليد.
فقاد خالد -رضي الله عنه- أولى تجاربه العسكرية التي يخوضها بعد إسلامه.
فوجد الفرق كبيرًا بين عدد المشركين وعدد المسلمين، ولابد أمامه من الحيلة
حتى لا يفنى المسلمون جميعهم، ويحافظ على جيشه سليمًا، فكان يقاتل الأعداء
كأسد جسور، وكلَّما انكسر في يده سيف أخذ سيفًا آخر، حتى انكسرت في يده
تسعة أسياف.
وعندما جاء الليل وتوقف القتال، أخذ خالد يعيد ترتيب جيش، فجعل الميمنة ميسرة، والميسرة ميمنة، والمقدمة مؤخرة.
وفي الصباح نظر الروم إلى المسلمين، فوجدوا الوجوه غير وجوه الأمس، فظنوا
أن المسلمين قد جاءهم مد، فخافوا وارتعدوا، وفرُّوا خائفين رغم كثرتهم،
فلم يتبعهم المسلمون، لكنهم عادوا إلى المدينة.
فقابلهم الصبية وهم يرمون التراب في وجوههم؛ لأنهم تركوا الميدان ورجعوا، وكان يعيرونهم قائلين: يا فُرَّار، أفرتم في سبيل الله؟
ولكن رسول الله ( كان يعلم المأزق الذي كان فيه جيشه فقال لهم: "ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله" [ابن سعد].
وأطلق على خالد بن الوليد في هذه المعركة سيف الله المسلول، تقديرًا لذكائه وحسن تصرفه الذي أنقذ به المسلمين من الهلاك المحقق.

سرية ذات السلاسل:


رأينا شجاعة خالد
بن الوليد وعبقريته في غزوة مؤتة، وها هو ذا عمرو بن العاص يخرج على رأس
جيش من المسلمين في جمادى الآخرة من العام الثامن الهجري؛ لتأديب القبائل
الموالية للروم قرب بلاد الشام، وهناك بجوار ماء يسمى (السلاسل) أقام
المسلمون ينتظرون المد من رسول الله (، وإذا بجيش كبير يقبل عليهم فيه أبو
بكر وعمر ويقوده أبو عبيدة بن الجراح الذي أوصاه رسول الله ( بعدم الخلاف
مع عمرو بن العاص.
ولما جاء وقت الصلاة أراد أبو عبيدة أن يؤم الناس فمنعه عمرو، وقال: إنما
قدمت على مدًا وأنا الأمير. فأطاع له أبو عبيدة حتى لا يكون سببًا في
الفرقة بين المسلمين.
وانطلق المسلمون خلف قائدهم تحت راية الإسلام، يطاردون القبائل التي تشكل
تهديدًا للمسلين، فروا منهزمين أمامهم. وقد أظهرت هذه المعارك كفاءة عمرو
الحربية، وأدخلت الرعب في نفوس الأعداء.

عد أن تم عقد صلح الحديبية بين المسلمين
والمشركين من قريش، دخلت قبيلة خزاعة في حلف المسلمين، ودخل بنو بكر في
حلف قريش، وحدث أن اعتدى بنو بكر على خزاعة، وإذا بقريش تساعدهم، وترسل
لهم السلاح، وبذلك خانت قريش عهدها مع رسول الله (.
وأقبل عمرو بن سالم الخزاعي يشكو لرسول الله ( الغدر والخيانة، فوعده
الرسول ( بالانتصار لهم. وفي مكة ندم الكفار على خيانتهم للعهد، وشعروا
بفداحة جُرمهم، وأدركوا أنهم أصبحوا مهددين، فذهب أبو سفيان إلى المدينة
ليقابل رسول الله ( ويعتذر ويؤكد المعاهدة بين قريش والمسلمين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
5o5a
مـديـره عـا مـه للـمـنـتـدى
مـديـره عـا مـه للـمـنـتـدى
5o5a


عدد المساهمات : 101
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/04/2011

•» السيره النبويه «• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته Empty
مُساهمةموضوع: رد: •» السيره النبويه «• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته   •» السيره النبويه «• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته Icon_minitimeالخميس أبريل 07, 2011 5:14 am

أخذ أبو سفيان يبحث عمن يتوسل به إلى رسول الله (، فذهب إلى ابنته أم حبيبة، زوجة رسول الله (، لتشفع له عند رسول الله (، فلما همَّ بالجلوس، رفعت السيدة أم حبيبة الفراش من أمامه حتى لا يجلس عليه، وقالت له: أنت رجل مشرك نجس، ولا أحب أن تجلس على فراش رسول الله (. [ابن إسحاق]
ثم خرج أبو سفيان فكلَّم رسول الله ( فلم يرد عليه، وذهب إلى أبي بكر ليكلم له رسول الله ( فرفض أبو بكر، فذهب أبو سفيان إلى عمر بن الخطاب فرد عليه عمر ردًّا غليظًا، فلجأ إلى عليّ بن أبي طالب، فنصحه عليٌّ بأن يعود إلى مكة من حيث جاء، فرجع أبو سفيان إلى مكة خائبًا، وظل المشركون ينتظرون قدوم المسلمين إليهم في رعب وخوف وقلق.
وبدأ النبي ( يستعد للسير إلى مكة، ولم يُعلم الناس بمقصده، وقال: "اللهمَّ خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلدها" [ابن إسحاق].
وكان حاطب بن أبي بلتعة قد كتب إلى قريش يخبرهم بقدوم النبي (، وأعطى الكتاب لامرأة لكي تبلغه إلى قريش، فجاء النبي ( خبر من السماء يعلمه بما فعل حاطب.
فأرسل الرسول ( علي بن أبي طالب والزبير بن العوام في طلب المرأة، فلحقا بها، وقالا لها: أخرجي الكتاب. فقالت ما معي كتاب. فقالا لها: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب. فأخرجته من شعرها، فأتيا به رسول الله (، فقال: "يا حاطب، ما حملك على هذا؟" فقال: يا رسول الله، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيرتُ ولا بدلتُ، ولكني كنتُ امرءًا ليس لي في القوم من أهل ولا عشيرة، وكان ليبين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليهم (ليكون لي جميل عندهم).
وأراد عمر بن الخطاب أن يقتل حاطبًا، فقال له رسول الله (: "وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر يوم بدر، فقال اعلموا ما شئتم، فقد غفرتُ لكم" [متفق عليه].
وزلت الآيات الأولى من سورة الممتحنة في ذلك، فقال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل) [الممتحنة].
وفي العاشر من رمضان في السنة الثامنة للهجرة، خرج الرسول ( ومعه المسلمون يملئون الصحراء، في عشرة آلاف مقاتل متجهين إلى مكة.
ومن مكة، خرج أبو سفيان ومعه بديل بن ورقاء وحكيم بن حزام؛ ليتجسوا على المسلمين، ولم يكونوا على علم بقدوم الرسول ( إليهم. وفي جوف الليل، رأوا النيران المشتعلة تملأ الصحراء.. يا للعجب! ما كل هذه النيران؟ فقال أحدهم: هذه خزاعة. فقال أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.
وسمع العباس عم النبي ( -وكان قد أسلم- صوت أبي سفيان في جوف الليل، فناداه وأخبره أنها نيران المسلمين، وقف أبو سفيان مندهشًا ينظر إلى جنود المسلمين ويسأل نفسه: ما كل هذه الجنود؟ وكيف تجمعوا حول محمد؟ كيف صار بهذه القوة بعد أن خرج من مكة ضعيفًا لا حول له ولا قوة؟!
وفي انبهار أخذ العباس وأبو سفيان يشاهدان قوة جيش المسلمين، فقال
أبو سفيان للعباس: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة.
وتوجه أبو سفيان مع العباس إلى رسول الله (، فلما رآه الرسول ( قال: "ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟". قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! والله لقد ظنتُ أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئًا بعد.
فقال رسول الله (: "ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟" قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئًا.
فقال العباس: ويحك، أسلم وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله قبل أن تضرب عنقك. فشهد أبو سفيان شهادة الحق وأسلم. [ابن إسحاق].
وعندما دخل الرسول ( والمسلمون مكة أراد أن يكرم أبا سفيان، فقد كان رجلاً يحب الفخر، فقال الرسول (: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن".
وعفا الرسول ( عن أهل مكة الذي آذوه وطردوه هو أصحابه، وبإسلامه سوف يسلم كثير من أهل مكة دون قتال وإراقة دماء، فانطلق أبو سفيان إلى قومه ونادى فيهم بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن.
وأسرع الناس إلى بيوتهم يختبئون، وامتلأت شوارع مكة بالمسلمين دون قتال سوى اشتباك قليل بين خالد بن الوليد وبعض الكفار في جنوب مكة.
وفي لحظة واحدة تغيَّر الحال، فدخل الرسول ( الكعبة، وظهرها من الأصنام بعد أن كانت من قبل مليئة بها، وهدَّم الرسول والمسلمون ثلاثمائة وستين صنمًا كانت حولها، والرسول ( يقرأ قوله تعالى: (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا) [الإسراء: 81]، (وقل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد) [سبأ: 49].
وانطلق صوت بلال بن رباح يدوي في الآفاق ويؤذن للصلاة فوق البيت العتيق، فاطمأن الناس على أنفسهم وبدأوا يخرجون من بيوتهم، ويقبلون على رسول الله (، فوقف على باب الكعبة، وقال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده".
ثم قال: "يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟" قالوا: خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم. فنظر إليهم الرسول ( نظرة كلها عفو ورحمة، وقال: "لا أقول لكم إلا كما قال يوسف لإخوته: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين). اذهبوا فأنتم الطلقاء". [ابن إسحاق وابن سعد]
وأقام الرسول ( في مكة تسعة عشر يومًا يعلِّم الناس أركان الإسلام، ويرسل القادة والفرسان لهدم أصنام القبائل المجاورة


تجمعت قبائل هوازن وثقيف التي تسكن قريبًا من مكة في أعداد كثيرة؛ يريدون قتال المسلمين، وكان قائدهم مالك بن عوف قد أمرهم بحمل أموالهم وأبنائهم ونسائهم معهم كي لا يفروا ويتركوا ساحة المعركة. وأمر مالك جيشه أن يختبئوا على مداخل وادي حنين، فإذا ظهر المسلمون هجموا عليهم مرة واحدة.
وأقبل النبي ( ومعه اثنا عشر ألف مسلم، واغترَّ المسلمون بكثرتهم، فظنوا أنهم لن يُهزموا أبدًا، فأراد الله تعالى أن يعطيهم درسًا عظيمًا، وبين لهم أن الكثرة وحدها لا تحقق النصر، فقد وقعوا في المكيدة التي دبرها لهم مالك بن عوف، وانهال عليهم المشركون بالسهام من كل ناحية، فانهزموا، وفرَّوا، وإذا بالنبي ( يثبت أمام الكفار وينادي المسلمين: "إليَّ يا عباد الله، أنا محمد بن عبد الله، أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" [متفق عليه].
وأخذ العباس عم النبي ( ينادي الناس، فتجمع المسلمون حول النبي ( صائحين: لبيك. لبيك. وانهالوا على الكفار يقتلونهم، فقال (: "الآن حمي الوطيس" [مسلم]. ثم أخذ بيده الشريفة حصيات من الارض، فرمى بهن وجوه الكفار ثم قال: "انهزموا ورب الكعبة" [مسلم]. وقذف الله في قلوب المشركين الرعب، فانهزموا، وفر قائدهم مالك بن عوف تاركًا أمواله وأهله، وتوجه هو ورجاله إلى الطائف. وغنم المسلمون أربعة وعشرين ألفا من الغنم، وستة آلاف أسير، وكثيرًا من الفضة.
وانتظر الرسول ( هوازن بضعة عشر يومًا، ربما أت إليه مسلمة معتذرة فيرد لهم أموالهم، لكنهم لم يأتوا، فوزعها على المسلمين. ثم توجه المسلمون إلى الطائف، للقضاء على ثقيف ومن فرَّ من هوازن، وحاصروا حصونها خمس عشرة ليلة، اكتشفوا خلالها أن المشركين يستطيعون الصمود خلف الحصون عامًا كاملاً بما لديهم من غذاء ومؤنة، فأمر ( المسلمين بالرحيل، ودعا لثقيف قائلاً: "اللهمَّ اهد ثقيفًا وأت بهم مسلمين" [الترمذي].
فاستجاب الله لنبيه ( وجاء وفد ثقيف مسلمًا. وقدم وفد هوازن ممن أسلموا وسألوه أن يرد عليهم أموالهم وسبيهم، فقال (: "اختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي وإما المال"، فقالوا: يا رسول الله، خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا، فالحسب أحب إلينا، فقال ( للمسلين: "إن إخوانكم قد جاءوا تائبين، وإني رأيت أن أراد سبيهم، فأذنوا في ذلك فأعيدوا إلى هوازن سبيها" [البخاري].
فتحت مكة، وانتشر الإسلام في جزيرة العرب، وأصبح يشكل خطرًا على الروم، فرأى الروم أن يجهزوا جيشًا لقتال المسلمين. فكان لابد للمسلين من الخروج إليهم، ولكن الحر شديد، والسفر إلى أرض الروم طويل، والناس في عسرة، وثمار المدينة حان وقت حصادها، وفي ظل هذه الظروف كلها، كان القرار الحاسم، فقد أعلن الرسول ( على الناس الخروج لقتال الروم، وهذه فرصة ليظهر المنافقون أمام المجتمع المسلم، ويثبت المسلمون الصادقون في إسلامهم.
وتسابق المسلمون في فعل الخير، وتجهيز الجيش الذي سمي بجيش العسرة، فجاء عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بنصف ماله، فقال رسول الله (: "ما أبقيت لأهلك؟". قال: مثله. وأتى أبو بكر بكل ما عنده. فقال: "يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟". فقال: "أبقيت لهم الله ورسوله. [الترمذي]، وجاء
عثمان بن عفان إلى النبي ( بألف دينار، فوضعها في حجر النبي ( فجعل يقبلها بيده، ويقول: "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم" [الترمذي].
وقي الوقت نفسه كان المنافقون يختلقون الأعذار حتى لا يشاركوا في هذه الغزوة، وأخذوا يروِّجون لأفكارهم فيما بينهم، ويقولون: لا تنفروا في الحر، فأنزل الله تعالى فيهم: (قل نار جهنم أشد حرًّا لو كانوا يفقهون) [التوبة: 81]. وتحرك جيش المسلمين في شهر رجب من العام التاسع الهجري رغم الحر والتعب تاركين المدينة، وما بها من ثمار وظلال؛ طاعة لله ورسوله.
وفي الصحراء، اشتد الحر ونفد الماء، فدعا النبي ( ربه، وظل رافعًا يديه، فأرسل الله سحابة أمطرت حتى ارتوى الناس، واحتملوا حاجتهم من الماء. وصل الجيش بسلام إلى تبوك، فنزل الرعب بقلوب الأعداء، فتفرقوا وانسحبوا داخل بلادهم، ولم يقدروا على محاربة المسلمين. فبعث الرسول ( خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك صاحب حصن دومة، وقال له: "إنك ستجده يصيد البقر".
وفي ليلة مقمرة، وقفت بقرة جميلة تحك باب القصر فنزل إليها الملك ليصيدها، وركب فرسه، وأخذ رمحه، وخرج مع بعض من أهله، فلما خرجوا كانت رسل النبي ( تنتظره، فأخذته، وقتلوا أخاه، وقدم خالد بن الوليد ومعه أكيدر أسيراً، فصالحه الرسول ( على الجزية، ثم تركه وخلى سبيله وعاد إلى قريته.
وعاد الرسول ( بالجيش مظفرًا منتصرًا بعد أن حقق أهداف غزوته دون قتال، وبينما هم في طريقهم إلى المدينة قال (: "إن بالمدينة أقوامًا، ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم".
قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟! قال: "وهم بالمدينة، حبسهم العذر" [متفق عليه]. وخرج هؤلاء المسلمون الصادقون الذين حبستهم الأعذار عن الخروج في الغزوة يستقبلون الرسول ( والجيش بالفرحة الشديد. أما المنافقون المتخلفون عن الجهاد، فقد أخذوا يقدمون الأعذار الكاذبة لرسول الله (، فقبل منهم علانيتهم، وترك سرائرهم لله تعالى.
وكان من بين الذين تخلفوا عن الغزوة كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، وهم من المؤمنين الصادقين، ولكنهم لم يخرجوا مع النبي ( لقتال الروم، ولم يكن لهم عذر.
جاء كعب بن مالك وسلم على النبي ( فتبسم له النبي ( تبسم المغضب، وقال: "تعالَ" قال كعب فجئت أمشي حتى جلستُ بين يديه، فقال لي: "ما خلَّفك؟ ألم تكن قد ابتعت (اشتريت) ظهرك (دابتك)؟" فقلت: بلى، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيتُ أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أُعطيتُ جدلا، ولكني والله لقد علمت إن حدثتُك حديث كذب ترضى به عني، ليوشكن الله أن يسخطكَ علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجدُ عليَّ فيه، إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. فقال رسول الله (: "أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك".
فقمت وثار رجال من بني سلمة، فاتبعوني فقالوا لي: "والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبًا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله ( بما اعتذر إليه المتخلفون، قد كان كافيك ذنبك استغفارُ رسول الله ( لك.
قال: فوالله ما زالوا يُؤنِّبوني حتى أردت أن أرجع فأُكذِّبَ نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، رجلان، قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك. فقلت: من هما؟ قالوا: مُرارةُ بن الرَّبيع القمريّ، وهلال بن أمية، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا، فيهما أسْوة.
فمضيت حين ذكروهما لي، ونهى رسول الله ( المسلمين عن كلامنا من بين من تخلَّف عنه. فاجتبينا الناس، وتغيروا لنا، حتى تنكرتْ في نفسي الأرض، فما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشبَّ القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق، ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله ( فأُسلِّم عليه، وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ ثم أصلي قريبًا منه، فأُسارِقُه النَّظر، فإذا أقبلتُ على صلاتي أقبل إليّ، وإذا التفت نحوه أعرض عني.
حتى إذا طال عليَّ ذلك من جفوة الناس، مشيت حتى تسوَّرْتُ جدار حائط أبي قتادة (أي: تسلقتُ جدار بستانه)، وهو ابن عمي، وأحب الناس إلي، فسلمت عليه، فوالله ما ردَّ عليَّ السلام، فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك بالله، هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت، فعدت له، فنشدته فسكت، فعدتُ له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم. فاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار.
فبينما أنا أمشي بسوق المدينة، إذا نبطي من أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدُّل على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له،
حتى إذا جاءني دفع إليَّ كتابًا من ملك غسان، فإذا فيه: أما بعدُ، فإنه قد بلغني
أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. فقلت لما قرأتها: وهذا أيضًا من البلاء، فتيممت بها التَّنُّور (الفرن) فسجرته بها (حرقته). حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين، إذا رسولُ رسولِ الله ( يأتيني فقال: إن رسول الله ( يأمرك أن تعتزل امرأتك. فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا. ولكن اعتزلها ولا تقربها. وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك، فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر.
فجاءت امرأة هلال بن أمية، رسول الله ( فقالت: يا رسول الله! إن هلال بن أمية شيخ ضائع، ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه؟ قال: "لا، ولكن لا يقربك". قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله مازال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله ( في امرأتك، كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه. فقلت والله لا أستأذن فيها رسول الله (، وما يدريني ما يقول رسول الله ( إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب. فلبث بعد ذلك عشر ليال، حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله ( عن كلامنا.
فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله، قد ضاقت عليَّ نفسي وضاقت عليَّ الأرض بما رحُبت، سمعت صوت صارخ ينادي بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر. فخرت ساجدًا وعرفت أن قد جاء فرج.
فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني، نزعت له ثوبي، فكسوته إياهما بشراه، والله ما أملك غيرهما، يومئذ واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله (، فيلقاني الناس فوجًا فوجًا، يهنئوني بالتوبة يقولون: لتَهنك توبة الله عليك. حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله جالس، وحوله الناس، فقام إليَّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إليَّ رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة.
فلما سلمت على رسول الله ( قال رسول الله ( وهو يبرق وجهه من السرور: "أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك" قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عندك الله؟ قال:"لا، بل من عند الله". وكان رسول الله ( إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه.
فلما جلست بين يديه، قلت: يا رسول الله. إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، قال: "أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك". قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. فقلت يا رسول الله إن الله إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقًا ما بقيت، فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله ( أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله ( إلى يومي هذا كذباً، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت.
وأنزل الله على رسوله (: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذي اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم. وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليبوبوا إن الله هو التواب الرحيم) [التوبة: 117-118].

فوالله ما أنعم الله على من نعمة قط -بعد أن هداني للإسلام- أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله ( أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، فإن الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شرَّ ما قال لأحد، فقال تبارك وتعالى: (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسفين) [التوبة: 95-96].

وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله ( حين حلفوا له، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول اله ( أمرنا حتى قضى الله فيه، وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو، إنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له، واعتذر إليه فقبل منه. [البخاري].
هدم مسجد الضرار:
عاد المسلمون من تبوك، وإذا بالنبي ( يأمرهم بحرق مسجد بناه المنافقون ليدبروا فيه المكائد ضد المسلمين، وأرادوا أن يصلي فيه النبي (، ولكن الله تعالى نهاه عن ذلك، فقال تعالى: (والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله من قبل ليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون. لا تقم فيه أبدًا) [التوبة: 107-108].






بدأ رسول الله ( يبعث برسائله إلى ملوك وحكام العالم يدعوهم فيها إلى الإسلام، فأرسل ( إلى النجاشي ملك الحبشة عمرو بن أمية الضمري، فوضع النجاشي الرسالة على عينيه، ونزل عن سريره تواضعًا واحترامًا له واعتنق الإسلام وقال: لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته.
وأرسل إلى المقوقس حاكم مصر حاطب بن أبي بلتعة، فأحسن المقوقس استقباله، وأعطاه هدايا كثيرة للنبي ( وجاريتين، وبغلة، وطبيبًا، ولكنه لم يدخل الإسلام خوفًا على ملكه.
وأرسل دحية بن خليفة الكلبي إلى هرقل ملك الروم، فسلمه دحية كتاب النبي ( الذي يقول فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهُدَى. أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسين (عامة الشعب)، (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) [آل عمران: 64] [البخاري].

فجمع هرقل وزراءه وحاشيته وقال لهم: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت ملكُكُم فتبايعوا هذا النبي (؟ فثارت الحاشية، ورفعوا الصليب وأعلنوا عصيانهم، فلما رأى هرقل ذلك يئس من إسلامهم، وخاف على نفسه وملكه، فقام بتهدئتهم، ثم قال: إني قلت مقالتي آنفًا لأختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت. فسجدوا له، ورضوا عنه. [البخاري].
أما كسرى ملك الفرس، فقد بعث إليه النبي ( بكتاب مع عبد الله بن حذافة، وآمن بالله وقد جاء فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وإني أدعوك بدعاء الله، وإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيًّا ويحق القول على الكافرين، فأسلم تسلم، وإن توليت فإنما إثم المجوس عليك" [ابن إسحاق].
فمزق كسرى الرسالة، وأرسل لنائبه على اليمن يأمره بأن يرسل رجلين يأتيانه بمحمد (، وصل الرجلان لتنفيذ المهمة، وإذا بالنبي ( يخبر الرجلين أن الله مزق ملك كسرى كما مزق كتابه، وعاد الرجلان إلى اليمن فوجد أن كسرى قد قتله ابنه، فدخلا في الإسلام.
في العام التاسع الهجري أقبلت وفود العرب من كل مكان إلى المدينة لتبايع رسول الله على دخول الإسلام، وعلى السمع والطاعة. وكان رسول الله ( يرسل مع كل وفد من يعلمهم أمور الدين، ويجمع منهم الزكاة ويوزعها على فقرائهم.
وجاء وفد ثقيف الذين تركهم المسلمون في غزوة الطائف، ودعا رسول الله ( لهم بالهداية. جاءوا بأنفسهم من غير قتال إلى المدينة، بعد أن رأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من المسلمين فبايعوا كلهم وأسلموا، وأرسلوا وفدًا منهم يرأسهم كنانة بن عبد ياليل، فلما قربوا من المدينة قابلهم المغيرة بن شعبة، فاستقبلهم وعلمهم كيف يُحيُّون الرسول ( عند دخولهم عليه.
وأنزل رسول الله ( وفد ثقيف في المسجد، وبنى لهم خيامًا لكي يسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا، ومكث الوفد أيامًا يذهبون إلى رسول الله (، ويذهب إليهم ليعلمهم مبادئ الإسلام، وكان يأتيهم كل ليلة بعد العشاء فيقف عليهم يحدثهم، وكان في هذا الوفد عثمان بن أبي العاص، وكان أصغرهم، فكانوا إذا ذهبوا إلى مجلس رسول الله ( تركوه على رحالهم.
فكان عثمان كلما رجع الوفد وناموا وقت الظهيرة، ذهب إلى رسول الله ( فسأله عن الدين، واستقرأه القرآن، وذهب إليه عثمان على ذلك مرات كثيرة، وكان إذا وجد رسول الله ( نائمًا ذهب إلى أبي بكر، وكان يكتم ذلك عن أصحابه، فأعجب ذلك رسول الله ( وأحبه. وأخيرًا دخل الإسلام أفئدتهم، ولكن كنانة بن عبد ياليل قال لرسول الله (: أفرأيت الزنا فإنا قوم نغترب ولابد لنا منه؟. قال: "هو عليكم حرام، فإن الله يقول: (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً) [الإسراء: 32].

قالوا: أفرأيت الربا فإنه أموالنا كلها؟ قال: "لكم رءوس أموالكم، إن الله تعالى يقول: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) [البقرة:278].

قالوا: أفرأيت الخمر، فإنه عصير أرضنا لابد لنا منها؟ قال (: "إن الله حرمها، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) [المائدة: 90]. وسألوه أيضًا أن يضع عنهم الصلاة، فقال رسول الله ( لهم: "لا خير في دين بلا صلاة"
[ابن إسحاق].
وخلا بعضهم إلى بعض يتشاورون في الأمر ثم عادوا إلى رسول الله (، وقد خضعوا لذلك كله، ولكنهم سألوه أن يترك لهم وثنهم (اللات) الذي كانوا يعبدونه ثلاث سنين لا يهدمها، فأبى رسول الله ( ذلك، فما زالوا يسألونه سنة سنة، ويأبى عليهم، حتى سألوه شهرًا واحدًا بعد مقدمهم، فأبى عليهم أن يدعها إلى أي أجل، فقالوا للرسول: فتول أنت إذن هدمها، فأما نحن فإنا لا نهدمها أبدًا.
فقال لهم:"سأبعث لكم من يكفيكم ذلك". ثم استأذنوا النبي (، فأذن لهم، وأكرمهم وحياهم، وأمر عليهم عثمان بن أبي العاص لما رأى من حرصه على الإسلام، وكان قد تعلم سورًا من القرآن قبل أن يخرج. [ابن إسحاق]
وبعث رسول الله ( إليهم وفدًا على أثرهم، أمَّر عليهم خالد بن الوليد، وفيهم المغيرة بن شعبة وأبو سفيان بن حرب، فعمدوا إلى اللات فهدموها، وخرجت نساء ثقيف مكشوفات الرأس، يبكين عليها ويرثينها، وكلما ضربها المغيرة بفأسه كان أبو سفيان يسخر من الصنم ويصانع حزن تلك النسوة اللاتي يندبن ويبكين عليه واهًا لك أهًا لك. [ابن إسحاق]
وقدمت وفود كثيرة المدينة، ودخلت في دين الله أفواجًا وجماعات، قال الله تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح. ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا. فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) [النصر].

إرسال الولاة والأمراء إلى قبائل العرب:

أخذ النبي ( يرسل أمراءه ولاته إلى قبائل العرب يدعونهم، ويعلمونهم الإسلام، الذي انتشر في شبه الجزيرة العربية. وكان ممن أرسلهم معاذ بن جبل
-رضي الله عنه-، وهو أعلم الناس بالحلال والحرام، بعثه إلى اليمن، وقال له:
"يا معاذ، لعلك لا تلقاني بعد عامي هذا". [أحمد]، فبكى معاذ خشية فراق
النبي (.

حج أبي بكر الصديق بالناس:

جاء موسم الحج من العام التاسع الهجري، فأمر الرسول ( أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- أن يحج بالناس، ونزلت الآيات الأولى من سورة التوبة، يعطي الله فيها للمشركين مهلة أربعة أشهر ليتوبوا ويؤمنوا بالله، وإلا قتلوا؛ لتخلص مكة وما حولها من الشرك البغيض.
وأما من كان له عهد أطول من هذه المدة، وكان حافظًا لعهده مع المسلمين، يوفَّى له بمدة العهد، وهكذا وضع الإسلام حدًّا للوثنية في هذه الأرض الطاهرة، قال تعالى: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين. فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين) [التوبة: 1-2].

ونهى العرب عن الطواف بالبيت الحرام وهم عراة، فقد كان بعضهم يفعل ذلك، ولكن الرسول ( أمر أن يكون هذا العام آخر عام يحج فيه المشركون مع المسلمين، فقال: "ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان". [البخاري].

في العام العاشر الهجري حج الرسول ( مع أمته حجة الوداع؛ ليعلم الناس مناسك الحج في الإسلام.
وقف رسول الله ( بين جموع المسلمين وهم حوالي مائة ألف مسلم يعظهم ويرشدهم. وهذا ربيعة بن أمية بن خلف ذو الصوت القوي العالي يبلِّغ عن رسول الله ( حتى يسمع الجميع، وكان مما قاله رسول الله (: "أيها الناس، اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدًا، أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا" [مسلم].
ونهاهم عن الربا، وأكل أموال الناس بالباطل، وأوصى الرجال بالنساء، يكرمونهن ويحسنون إليهن. ثم قال: "وأنتم تُسْأَلُون عني، فما أنتم قائلون؟" قالوا: إنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال ثلاث مرات: "اللهمَّ فاشهد" [مسلم].
وبينما رسول الله ( يتحدث إلى الناس، كان هناك رجل يبكي بكاء شديدًا، إنه أبو بكر الصديق حبيب رسول الله (، وأحب صحابته إلى قلبه، فقد أحس بقرب أجل رسول الله (، فقال: فداك أبي وأمي يا رسول الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
5o5a
مـديـره عـا مـه للـمـنـتـدى
مـديـره عـا مـه للـمـنـتـدى
5o5a


عدد المساهمات : 101
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/04/2011

•» السيره النبويه «• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته Empty
مُساهمةموضوع: رد: •» السيره النبويه «• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته   •» السيره النبويه «• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته Icon_minitimeالخميس أبريل 07, 2011 5:16 am

[size=21][size=16]جيش أسامة:

وفي شهر صفر من العام الحادي عشر جهز الرسول (
جيشًا كبيرً لتأديب الروم، وأراد رسول الله ( أن يُعلِّم المسلمين درسًا
عظيمًا في القيادة، فولَّى على الجيش أسامة بن زيد بن حارثة -رضي الله
عنه-، وهو لم يبلغ العشرين من عمره؛ ليعطي الفرصة للشبا في تولي المهام
الصعبة، وتدريبهم على تحمل المسئولية، برغم أن جيش المسلمين كان به كبار
الصحابة مثل: أبي بكر، وعمر، وأبي عبيدة بن الجراح، وغيرهم الكثير -رضي
الله عنهم أجمعين-.
وضرب الجيش معسكره خارج المدينة، ولكنه عاد بعد أن علم بمرض رسول الله (، ثم بوفاته، ثم سرعان ما خرج الجيش عهد أبي بكر الصديق
-رضي الله عنه- وهزم الروم
[/size]

[/size]
[size=21][size=16]مرض الرسول وفاته :

[size=16]أصابت الحمى الرسول (، وظل
يعاني منها أيامًا، فأمر أبا بكر الصديق أن يصلي بالناس، وكان إذا خرج إلى
المسجد استند إلى الفضل بن العباس،
وعلي بن أبي طالب.
وفي بيت عائشة -رضي الله عنها- اشتد به الوجع، وكان قد شعر بقلق أصحابه
وحزنهم عليه، فأمرهم أن يصبوا عليه من سبع قرب مليئة بالماء لم يكشف
غطاؤها، لعله يستطيع الخروج إلى الناس فقال: "أهريقوا عليَّ من سبع قرب لم
تحلل أوكيتُهُنَ لعلي أعهد إلى الناس" [متفق عليه].
قالت عائشة -رضي الله عنها-: فأجلسناه في مخضب (الشيء الذي يغسل فيه
الثياب)، ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد
فعلتن.
ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وخطبه، وكان عاصبًا رأسه، فجلس على المنبر، ثم
كان أول ما تكلم به أن صلى على أصحاب أحد، واستغفر لهم. ثم قال: "عبد
خَيَّرَهُ بين أن يؤتيه زهرة الدنيا، وبين ما عنده، فاختار ما عنده".
فبكى أبو بكر -رضي الله عنه- إذ علم ما يقصده النبي (، وناداه قائلاً:
فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فقال (: "على رسلك يا أبا بكر. أيها الناس، إن
أمن الناس عليَّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلا؛ لاتخذتُ
أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام، وإن فرط لكم، وأنا شهيد عليكم. وإني
والله ما أخاف أن تشركوا من بعدي، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا
فيها"
[متفق عليه].
وعاد رسول الله ( إلى بيته، واشتد به وجعه، وثقل عليه مرضه، وكان إلى
جواره قدح به ماء، يغمس فيه يده، ثم يمسح وجهه بالماء ويقول: "اللهمَّ
أعني على سكرات الموت" [الترمذي والنسائي].
وكانت وصية رسول الله ( حين حضره الموت: "الصلاة وما ملكت أيمانكم". حتى
كان رسول الله ( يغرغر بها صدره، وما يكاد يفيض بها لسانه. [ابن ماجة
وأحمد]
ودعا رسول الله ( فاطمة ابنته فحدثها سرًّا فبكت، ثم حدثها فضحكت، فقالت
عائشة لها: ما هذا الذي سارَّك به رسول الله ( فبكيت، ثم سارَّك فضحكت؟
قالت: سارني فأخبرني بموته فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول من يتبعه من
أهله، فضحكت. [متفق عليه].
وفي صلاة صبح يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول في العام الحادي
عشر للهجرة، رفع الحبيب محمد ( الستر المضروب على منزل عائشة، فنظر إلى
أصحابه وهم يصلون، فسره اجتماعهم وحدة كلمتهم، ونظر إليه الناس، فاطمأنوا
عليه، وظنوا أن صحته قد عادت إليه، ولكنها كانت نظرة الوداع، فما إن حل
الضحى حتى خرجت روحه الطاهرة إلى خالقها سبحانه وتعالى.
فقالت فاطمة -رضي الله عنها-: يا أبتاه! أجاب ربًّا دعاه. يا أبتاه! جنة الفردوس مأواه. يا أبتاه! إلى جبريل نعاه. [البخاري]
وتسرب النبأ الأليم في المدينة، فأظلمت جنباتها بعد أن أشرقت، وسعدت بحياة رسول الله ( على أرضها.
لقد كان حادثًا مؤلمًا مفجعًا، فها هو ذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لم
يصدق الخبر عندما سمعه، فقال: إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول
الله توفي، وإن رسول الله ما مات، ولكن ذهب إلى ربه كما ذهب
موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة. ثم رجع بعد أن قيل قد مات.
والله ليرجعن رسول الله (، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهن يزعمون أنه مات!.
وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر، وعمر يكلم الناس،
فلم يلتفت إلى شيء دخل على الرسول ( في بيت عائشة وهو مغطي في ناحية
البيت، فكشف وجهه فقبله، ثم قال: بأبي أنت وأمي.. أما الموتة التي كتب
الله عليك فقد ذقتها، ثم لن يصيبك بعدها موت أبدًا. ورد الثوب على وجهه،
ثم خرج وعمر يكلم الناس، فقال: على رسلك يا عمر.. فأنصت. لكن عمر ما زال
ثائرًا، فلما رآه أبو بكر كذلك، أقبل على الناس، وشرع يتكلم، فلما سمعه
الناس انصرفوا عن عمر وأقبلوا عليه.
وحمد أبو بكر الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس.. من كان يعبد محمدًا،
فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا هذه
الآية: (وما
محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم
ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين)

[آل عمران: 144].

لقد مات الرسول ( ولكن بقيت شريعة الله، وسنة رسوله بين المسلمين، ما بقيت السماوات والأرض ضياءً وهدى لكل من استضاء واهتدى.
ولكن ماذا بعد موت رسول الله (؟ هل يتفرق المسلمون؟ ويعود العرب إلى كفرهم
وأوثانهم؟ لا.. لقد تسلم راية الإسلام رجال الإسلام الذين تخرجوا في مدرسة
الرسول (، وفي مسجده. وكان أول خليفة للمسلين أبو بكر الصديق -رضي الله
عنه- الذي تسلم الراية وبدأ مرحلة جديدة في تاريخ الإسلام.


وفي مدحه ايضاُ قال عباس ابن مرداس:

رأيتك يا خيرَ البريةِ كلها
نشرت كتاباً جاء بالحق معلما

و نورت بالبرهان امراً مدمساً
و اطفأت بالبرهان امراً مضرما

فمن مبلغٌ عني النبي محمداً
و كل امرئ يُجزى بما قد تكلما

تعالى علواً فوقَ عرشٍ إلهنا
و كان مكانُ اللهِ اعلى و اعظما


وقالت فاطمة الزهراء ترثي رسول الله صلى الله عليه و سلم:

ماذا عن من شمَّ تُربةَ احمدٍ
ان لا يشم مدى الزمان غواليا

صُبت عليَّ مصائبٌ لو انها
صَّبتْ على الأيام عُدن لياليا


قال حسان ابن ثابت رضي الله عنه

اطالت وقوفاً تذرف العين جهداً
على طلِ القبر الذي فيه احمدُ

فبوركت يا قبر الرسول و بوركت
بلادٌ ثوى فيها الرشيدُ المُسدُ

و بورك لحدٌ منك ضمن طيباً
عليه بناءٌ من صفيحِ مُنضدُ


و قال حسان ايضاً:

أغرَّ عليه للنبوةِ خاتمٌ
من الله مشهودٌ يلوحُ و يُشهدُ

وضمَ الإله اسم النبي إلى اسمهِ
إذا قال في الخمسِ المؤذنِ اشهدُ

وشق له من إسمه ليجُله
فذو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ

نبيٌ آتانا بعد يأسِ و فترةِ
من الرسل و الأوثان في الأرض تُعبدُ

فأمسى سراجاً مستنيراً و هادياً
يلوحُ كما لاح الصقيلُ المُهندُ

وانذرنا ناراً وبشر جنةَ
وعلمنا الإسلام فالله نحمدُ

فأنت إله الخلق ربي و خالقي
بذلك ما عمّرتُ في الناس اشهدُ

تعاليتَ رب الناسِ عن قول من دعى
سواكَ إلهاً و انت اعلى و امجدُ

لك الخلق و النعماءُ و الامر كله
فإياك نستهدي و إياكَ نعبدُ






[size=25]هذا و أكثروا من الصلاة و السلام على خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم.
[/size][/size][/size][/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
•» السيره النبويه «• كامله منذ ميلاد الرسول وحتى وفاته
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصه تايتنك كامله (( صور حقيقيه ))
» صور بيت الرسول. صلى الله. عليه وسلم$$ ...

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الحريه :: عـــظـــيـــمـ الـــدنـــيـــا و الأخـــره-
انتقل الى: